وكل ما عرفناه من سجايا هذه القبيلة وخصالها الحميدة دعانا الى بيانه، وهكذا قل عن خصال الأمراء، وعلو أخلاقهم، وحسن سلوكهم.. فهم أهل لأن يكونوا أمراء هذه القبيلة، وهم أحق بها وأهلها. واللسان ليعجز من إيراد كل ما يستحقونه من الثناء عليهم في صفوتهم، وصفاء سريرتهم، وحسن عقيدتهم، وادائهم للفرائض الدينية مما لا نعهده في الأمراء الذين أفسدتهم بهارج المدنية..
ولا يستغرب المرء مما أقول، ويرى أن هؤلاء ملائكة، ولكنني أؤكد أنني لم أكتب إلا ما شاهدات أو رأيت، أو علمت، ولم أغال في مدح، وهم فوق ما وصفت، وإنما كتبت مما اقتضاه واجب الذمة، ورأيته لازم الصدق فدونت ما علمت.
وأني في هذه الحالة أعد نفسي قد تجاوزت الوصف، ولا ألبث أن أحاسب نفسي مرة أخرى، فلم أر ما يستحق أن يطوى، أو يجب أن يخفف منه، أو يحور وإنما أنا معتقد بصحة كل ما قلته، ولا يهمني من في قلبه زيغ، أو يتصور أن الأخلاق الفاضلة مفقودة، أو أن السلوك المرضي غير مشهود.. فيستاء من كل شيء، ولا يرضى عن أحد، بل أن الدين متأصل في أكثر الأكراد، راسخ فيهم، وطاعتهم للعلماء عظيمة.
وما ذكرت إلا ما اعتقدت، وليكتب من شاء ما شاء من ملاحظة عيوب، أو التوسل ببيان الصفحة التي قد يراها في فرد أو أفراد لا يمثلون المجموع فلا نرى قيمة لأمثال هذه التي وجدت من حين وجد البشر والناس لا يخلون من صالح وطالح، والجماعة تعرف بالصلاح إذا كان غالبها على ذلك، وتكون طالحة بدرجة تغلب أهل الشر.. والمجتمع الفاضل هو الذي يتغلب على أهل الشر بما ملك من سجايا قوية، وما نال من مكافحة لهذه الفئة. وقدرة على المجاهرة بحربها، ومحاولة القضاء عليها، وليعش المجتمع الفاضل بسلوكه وأخلاقه، وسجاياه النبيلة.
وكل ما تحتاجه القبيلة أن يكون بين ظهرانيها علماء لهم المكانة المقبولة والمنزلة المرضية في تعليم العقيدة الحقة دون أن تشوبها شائبة.
[تفصيل قبائل الجاف]
هؤلاء مجموعة كبيرة، والآن قد استقل جملة أمراء كل واحد في قسم من أقسامها سواء في إيران أو في العراق في لواء السليمانية، أو في ناحية شيروانة التابعة لقضاء كفري. ولا يفرق بين قبائل الجاف إلا أن الأوضاع السياسية دعت أن تعتبر هذه القبائل مجموعتين: جاف العراق، ويقال لهم " جاف مرادي ".
جاف إيران، ويدعون " جاف جوانرودي ".
وفي العراق جاء ذكر قبيلتين من الجاف في معاهدة السلطان مراد: ضياء الديني. وهذه تفرقت شذر مذر، ولا يعرف عنها اليوم شيء. وكانت قبيلة كبيرة لها شأنها.
وكان قد جاء في سياحتنامهء حدود، وفي تقرير درويش باشا أنهم لا يتجاوزن الخمسين أو الستين بيتاً (١) .
هاروني. وهذه لا تزال معروفة ولها كيانها.
وفي إيران ورد ذكر قبيلتين من قبائل الجاف في المعاهدة المذكورة: بيره. وهذه لم يعرف لها ذكر. ولعل لفظها " ندره يى " فخفف الى نيره يى ودخله التصحيف. أو جاء محرفاً. فلم تعد تذكر. وقد حاولت أن أعرف قبيلة بهذا الاسم من نفس الجاف في إيران وفي العراق فلم أظفر بخبر.
زردويي. وكانت أيام تقرير الحدود الإيرانية من جانب السلطان مراد الرابع في إيران والآن موزعة في إيران والعراق. و " زردو " موقع عرفت به بين هاورامان وجوانرود، فصارت تسمى " زردويي " وهو من أنحاء جوانرود.
وللكلام على جاف إيران من جراء الصلة والقربى قد أفردنا بحثاً خاصاً في فروعها وأوضاعها حتى اليوم.
وهنا نقول أن القبائل المذكورة لا تدل على الحصر، وإنما هي القبائل التي وقع النزاع عليها بين إيران والعراق، وإلا فالجاف كثيرون، لا يحتمل أن يكونوا تفرعوا حديثاً، وإنما فروعهم تحتاج في تكونها الى زمن أكثر بكثير مما ورد في تاريخ المعاهدة " سنة ١٠٤٩هـ ".
[جاف العراق]
أو جاف مرادي هؤلاء الجاف قديمو العهد في العراق. ويرجع تاريخهم الى ما قبل السلطان مراد، فإنه لا يدله في تكوينهم، وإنما كانوا موجودين، تدل على ذلك المعاهدة. أو الأصح أن نقول " جاف العراق " لا أن نقول " جاف مرادي " ونريد جاف السلطان مراد الرابع.