للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المرور بمساكن ثمود في الحِجْر]

و نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ فِي ذهابه إلى غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى الْحِجْرِ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فَاسْتَسْقَى النَّاسُ مِنْ الْآبَارِ الَّتِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا مِنْهَا، وَنَصَبُوا الْقُدُورَ بِاللَّحْمِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، وقال: "من عمل من هذا الماء طعاماً؛ فليُلقِه". فمنهم من عجن العجين ومنهم من حاس الحيس فألقوه. فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا، وقال:"اكْفَؤُوا الْقُدُورَ، وَاعْلِفُوا الْعَجِينَ الْإِبِلَ"، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهُ النَّاقَةُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. وتَسَارَعَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِ الْحِجْرِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم فَنَادَى فِي النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَقَال لَهُمْ وَهُوَ مُمْسِكٌ بَعِيرَهُ: "مَا تَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ؟ "، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعْجَبُ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ. فقَالَ:"أَفَلَا أُنْبِئُكُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟؛ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُنْبِئُكُمْ بِمَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ، فَاسْتَقِيمُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ لَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ، لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا، لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُصِيبُكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ، وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ وخَلَّفْهَا.

<<  <   >  >>