للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصدق القائلين في تصديق هذا المعنى: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) المؤمنون: ٧٥ فأخبر أنّ في ترك الرحمة لهم لطفاً ورحمة.

وروينا عن عبد الواحد أنه خرج في نفر من إخوانه إلى بعض نواحي البصرة، فأواهم المسير إلى كهف جبل، فإذا فيه عبد مقطع بالجذام يسيل جسده قيحاً وصديد الأطباخ به، فقالوا: ياهذا، لو دخلت البصرة فتعالجت من هذا الداء الذي بك، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: سيدي، بأي ذنب سلطت هؤلاء عليّ يسخطوني عليك، ويكرهون إلي قضاءك، سيدي أستغفرك من ذلك الذنب، لك العتبى إني لا أعود فيه أبداً، قال ثم أعرض بوجهه فانصرفنا وتركناه، وفي الحديث: نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي العبد على قدر إيمانه؛ فإن كان صلب الإيمان شدّد عليه البلاء، وإن كان في إيمانه ضعف خفف عليه البلاء، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار؛ فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز، ومنهم دون ذلك، ومنهم من يخرج أسود محترقاً، وقد روينا حديثاً من طريق أهل البيت: إذا أحب الله عبداً ابتلاه؛ فإن صبر اجتباه، وإنْ رضي اصطفاه، ومنها أنّ الملك يكتب له مثل أعماله الصالحة التي كان يعملها في صحته، وأنه يجري له الحسنات، مثل ما كان يجري له على أعمالهم، فيكتب الملك له أعمالاً صالحة خيراً له من أعماله، لأنّه قد يدخلها الفساد، واختيار الله له أن يستعمله بالأوجاع، خير له من اختياره لنفسه أن يستقل إلى الله بالأعمال الصالحة، وهذا أحد المعنيين، في معنى الخبر: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس، قيل: هو ما دخل عليها من المصائب في الأنفس والأموال، فهي تكره ذلك وهو خير لها، ومن هذا المعنى قوله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) البقرة: ٢١٦ قد يكره العبد الفقر والعيلة والضر والخملة، وهو خير له في الآخرة وأحمد عاقبة، وقد يحب الغنى والعوافي والشهرة وهو شرّ له عند الله وأسوأ عاقبة.

وفي الخبر أيضاً يقول الله تعالى لملائكته: اكتبوا العبدي صالح ما كان يعمل فإنه في وثاق؛ إن أطلقته أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وإن توفّيته توفّيته إلى رحمتي، فإبدال صفة لحسن اختيار الله له، خير له من الدنيا والآخرة ومن شهوته، والأصل في التوكل وتركه، أنّ المتوكل على الله قد علم في توكله أنّ للعلّة وقتاً إذا انتهت إليه برأ العليل بإذن الله لا محالة، ولكن الله عزّ وجلّ قد يحكم أنه إن تداوى شفاه

<<  <  ج: ص:  >  >>