للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّ الإنسان قد يطغى بالعوافي كما يطغى بالمال، لأنه قد يستغني بالعافية كما يستغني بالمال، وكل فيه فتنة، وقد قال الله تعالى: (كَلاّ إنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغى) (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) العلق: ٦ - ٧، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ، والعصمة في حال العافية نعمة ثانية، كالعصمة في الغنى نعمة النعمة، وهذا أحد الوجوه في قوله عزّ وجلّ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمُ في حَيَاتِكُمُ) الأحقاف: ٢٠ ومنها أنّ الأمراض مكفرة للسّيئات؛ فإذا كره الأمراض بقيت ذنوبه عليه موفورة، وفي الخبر: لاتزال الحمى والمليلة بالعبد حتي يمشي على وجه الأرض وما عليه خطيئة، وفي خبر: حمى يوم كفّارة سنة، وأحسن ما سمعت في معناه، قال: لأنّ حمى يوم تهد قوة سنة، وقيل: في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، يدخل حمى يوم في جميع المفاصل فيكون له بكل مفصل كفّارة يوم، ولما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفّارة الذنوب بالحمى، سأل زيد بن ثابت ربّه أن لا يزال محموماً، قال: فلم تكن الحمى تفارقه في كل يوم حتى مات، وسأل ذلك طائفة من الأنصار، وكذلك لما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أذهب الله كريمته لم يرضَ له ثواباً دون الجنة، قال: فقد رأيت الأنصار يتمنّون العمى، ولما جاءت الحمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستأذن عليه قال: اذهبي إلى أهل قباء، وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى: (فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) التوبة: ١٠٨ أي بالأمراض من الذنوب، وعن عيسى عليه السلام يقول: لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب على جسده، وما له لما يرجو في ذلك من كفّارة خطاياه، والصدّيقون يبتلون بعلل الجوارح، والمنافقون يبتلون بأمراض القلوب، لأن في أمراض الأجسام ضعفها عن الآثام والطغيان، وفي أمراض القلوب ضعفها عن أعمال الآخرة والإيقان وفي معنى قوله عزّ وجلّ: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:، ٢، قيل ظاهرة العوافي وباطنة البلاوي لأنها نعم الآخرة، وروي أنّ موسى عليه السلام نظر إلى عبد عظيم البلاء فقال: ياربّ ارحمه، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: كيف أرحمه؟ ممّا به أرحمه؟ وقد قال الله وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>