وقد رويناه أيضاً مسنداً، قال مسعر عن سعد بن إبراهيم وسأله سائل: أي أهل المدينة أفقه؟ فقال: أتقاهم لله عزّ وجلّ، وقال بعض العلماء: لو قال لي قائل أي الناس أعلم لقلت أورعهم ولو قال لي قائل أي أهل هذه المدينة خير؟ لقلت: تعرفون أنصحهم لهم، فإذا قالوا نعم قلت هو خيرهم وقال آخر: لو قيل لي من أحمق الناس لأخذت بيد القاضي فقلت هذا وقال الله تعالى: (وَاتَّقُوا الله وَاسْمَعُوا) المائدة: ١٠٨ و (اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَديداً) الأحزاب: ٧٠، فجعل تعالى مفتاح القول السديدوالعلم الرشيد والسمع المكين التقوى، وهي وصية الله تعالى من قبلنا وإيانا إذ يقول الله سبحانه وتعالى:(وَلَقَدْ وَصّيْنا الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وإِيَّاكُمْ أنِ أتَّقُوا الله) النساء: ١٣١، وهذه الآية قطب القرآن ومداره عليها كمدار الرحى على الخشبان.
وروينا عن عيسى عليه السلام كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته، وهو مقبل على دنياه وكيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به وهو لا يطلبه ليعمل به، وقال الضحاك بن مزاحم: أدركتهم وما يتعلم بعضهم من بعض إلا الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام، وفي الحديث: ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أعطوا الجدل ثم قرأ: ماضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون، وفي قوله عزّ وجل:(فأمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) آل عمران: ٧، الآية هم أهل الجدل الذين عنى الله تعالى فاحذروهم، وعن بعض السلف: يكون في آخر الزمان علماء يغلق عنهم باب العمل ويفتح عليهم باب الجدل، وفي بعض الأخبار: إنكم في زمان ألهمتم فيه العلم وسيأتي قوم يلهمون الجدل، وعن ابن مسعود: أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع ويأتي بعدكم زمان خيركم فيه المتبين يعني الآن لبيان الحق واليقين في القرن الأول وبعد ذلك في زماننا هذا لكثرة الشبهات والالبتاس ودخول المحدثات مداخل الليل في السير، فأشكل الأمر إلا على الفرد الذي يعرف طرائق السلف فيجتنب الحدث كله.
وروينا عن بعض العلماء: إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبدسوءًا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل، وفي الخبر المشهور عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبعض الخلق إلى الله عزّ وجلّ الألد الخصم، وقد روينا في خبر الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق وفي بعضها مفسراً والعي عي اللسان لا عي القلب، والخبر الآخر ما روى الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أوتي قوم المنطق إلا منعوا العمل، وفي الحديث أن الله تعالى ليبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل الكلام بلسانه كما تتخلل الباقرة الخلاء بلسانها، والخلاء هو الحشيش الرطب، وكان أحمد بن حنبل يقول: العلم إنما هو ما جاء من فوق يعني إلهاماً من غير تعليم وقال أيضاً: علماء أهل الكلام زنادقة، وقال قبله أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق.