للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظراً ولم يحفظ جميع كتاب أنزله الله تعالى قط غير كتابنا هذا إلا ما ألهمه الله تعالى غزيراً من التوراة بعد أن كان بختنصر أحرق جميعها عند إحراق بيت المقدس، فلذلك قال سبط من اليهود إنه ابن الله تعالى عزّ عن ذلك علواً كبيراً لما خصه به وأفرده من حفظ جميع التوراة، والثالث أن كل مؤمن من هذه الأمة يسئل عن علم الإيمان ويسمع قوله ويؤخذ من رأيه وعلمه مع حداثة سنه ولم يكونوا فيما مضى يسمعون العلم إلا من الأحبار والقسيسين والرهبان لا غير من الناس، وزادها رابعة على أمة موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبات الإيمان في قلوبهم لا يعتريه الشك ولا يختلجه الشرك مع تقليب القلوب في المعاصي، وكانت أمة موسى عليه السلام تتقلب قلوبهم في الشك والشرك كما تتقلب جوارحهم في المعاصي، فلذلك قالوا: يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة بعد أن رأوا الآيات العظيمة من انفلاق البحر وسلوكهم فيه طرائق وأنجاهم من الغرق وأهلك فرعون.

وروينا بعض الأخبار أن في بعض الكتب المنزلة: يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من ينزل به ولا في تخوم الأرضين من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبره يأتي به العلم مجعول في قلوبكم، تأدّبوا بين يدي بآداب الروحانيين وتخلّقوا لي بأخلاق الصديقين أظهر العلم في قلوبكم حتى يعطيكم ويغمركم، وفي الإنجيل مكتوب: لا تطلبوا علم ما لم تعملوا حتى تعملوا بما قد علمتم، وفي أخبارنا نحن: من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم حتى قيل: من علم بعشر ما يعلم ورثه الله علم ما يجهل، وقد روينا عن حذيفة بن اليمان: إنكم اليوم في زمان من ترك فيه عشر ما يعلم هلك ويأتي بعدكم زمان من عمل منهم بعشر ما يعلم نجا، هذا لقلة العاملين وكثرة البطالين، وفي كتابنا المجمل المختصر: واتقوا الله ويعلمكم الله واتقوا الله واعلموا واتقوا الله واسمعوا، واعلم أن من عمل بعلم أو نطق به فأصاب الحقيقة عند الله تعالى فله أجران، أجر التوفيق وأجر العمل - وهذا مقام العارفين، ومن نطق بجهل أو عمل به وأخطأ الحقيقة فعليه وزران - وهذا مقام الجهال، ومن قال أو عمل بعلمه وأخطأ الحقيقة فله أجر لأجل العلم وهذا مقام علماء الظاهر، ومن قال بجهل أو عمل عملاً وأصاب الحقيقة فعلية وزر لتركه طلب العلم وهذا مقام جهلة العابدين، ومثل العالم مثل الحاكم وقد قسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكام ثلاثة أقسام فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القضاة ثلاثة: قاضٍ قضى بالحق وهو يعلم فذاك في الجنة وقاضٍ قضى بالجور وهو يعلم أو قضى بالجور وهو لا يعلم فهما في النار، ومن أحسن ما سمعت في قوله تعالى: (يا بني آدَمَ قَدْ أَنْزَلنا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُواري سوْءاتِكُمْ) الأعراف: ٢٦ قيل العلم وريشاً قيل اليقين ولباس التقوى أي الحياء.

وروينا عن وهب بن منبه اليماني في معناه: الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم وقد أسنده حمزة الخراساني عن الثوري فرفعه إلى عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>