والثاني يبحث فيه بأنه أي موجب لهذا التقيد فلا بد أن يرجع الأول إلى الوجه الأول وهو أمر مجمل يتداوله الناس " أبداً " فلا بد من البحث عن وجهه وأنه كيف كان درء المفسدة أهم، وفي تحريره طول، ويكفينا فهمه في المثال المذكور فنقول: لو خرج للماء ليحافظ على الطهارة المائية فافترسه الأسد ضاعت حياته وذهبت الصلاة، والطهارة مائية وتُرابية فعبادة الله التي يريد أن يجودها أتلفها رأساً فكان الاكتفاء بطرف وهو التراب واتقاء المفسدة أولى من جلب المصلحة المؤدي إلى ضياع الكل وهكذا في سائر الأنواع.
ولعلك تخرج بهذا التقرير عما يهجس في نفوس الجهلة عند سماع تلك الأحكام من توهم أن النفوس والأموال والأعراض ونحوها مقصودة بالأثرة على دين الله تعالة، كلاّ، وإنما ذلك " كله " محافظة على دين الله تعالى، فإنه لا بقاء له مع هلاكها، فافهم.
وينخرط في هذا القسم ما منع من سَبّ الكفار كفاحاً حذاراً من أن يسبّوا الله تعالى ودينه، قال تعالى:) وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ (والتقاسيم لا تنحصر فيما قررنا، ولكن فيما ذكرنا تنبيه على ما ورائه.
واعلم أن كل ما تقرر فيها باعتبار الحكم الشرعي محافظة على التقوى يتقرّر نحوه باعتبار المحاسن العادية محافظة على المروءة، وذلك ملتحق بالدين أيضاً ولا حاجة إلى تتبع التفاصيل، والله الموفق.
لله الأمر من قبل ومن بعد
[استحلاء الطاعات سموم قاتلة]
حدثني بعض الفقراء عن شيخ له من أهل العصر المتصدر لصحبة المريدين أنه بينما هو جالس في محله جاء فقير غريب، وأظنه قال: من " ناحية " السوس الأقصى، فلما قرب منه تكلم لبعض من كان حاضراً بلسانه البربري فقال له: قل لذلك " الرجل يعني " الشيخ المذكور: أما بقيت في الدنيا مصابيح يقتبس الضوء منها؟ فبلغ الرجل لذلك الشيخ فقال الشيخ: قل له: قد بقيت، ولكن من جاء يقتبس أتى بفتيلة مبلولة، فقال الفقير: قل له: ما معنى بللها؟ فقال الشيخ: قل له: لا أقل من أن يطلب أو يترجى الولاية، فقال: فوضع الفقير يده على جبهته ساعة ثم انصرف من هنالك، فلما رأيت الفقير الذي حدثني تبجح بهذا الكلام الصادر من شيخه وجعله من التنبيهات المهمة للسالك، وكنت جاريته كلاماً في استحلاء الطاعة فقال: إن تلك الحلاوة علة، وعلمت أنه أيضاً قد بنى على ذلك وأنهم سمعوا نحو قول الواسطي رحمه الله:" استحلاء الطاعات سموم قاتلة " فأردت أن أنبّه على غلط يخشى في هذا الأمر، فأقول وبالله التوفيق: إن كلاً من الكلام الواقع للواسطي والواقع من هذا الشيخ صحيح في نفسه، وهو تحقيق في بابه، وعند أربابه، أما إلقاؤه لعوام المتوجهين فغلط في التربية، إما جهلاً وقصوراً، وإما تمويهاً وتظاهراً بالنهايات، أما حديث الولاية فمن وجهين: