وإنه في الجلي المسفر أن الوحي إلى السيدة مريم عليها السلام، وإلى أم موسى عليه السلام، لم يكن إلا من جميل عناية الله وعظيم روايته بولديهما الكريمين، ثم بهما بالتبعية وليس العكس صحيحا. وقد سكت القرآن الكريم عن ذكر اسم السيدة الفاضلة أم موسى [٢٤] عليه السلام، وهذا من مناهج القرآن الموضوعية.
(٦) الوحي إلى الملائكة:
أما وحي الله إلى الملأ الأعلى من الملائكة فأمر بين بديهي، فأمين وحي السماء إلى الأرض هو جبريل عليه السلام، قال تعالى:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أي فأوحى الله سبحانه إلى عبده جبريل عليه السلام ما أوحاه جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم [٢٥] .
ويقول ربنا سبحانه:{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ} ٢: النحل، فالآية الكريمة تذكر أن الله سبحانه ينزل الملائكة بالروح وهي الوحي، أو بعبارة الزمخشري [٢٦] : "بما يحيى القلوب الميتة بالجهل من وحيه".. وقال الجلال السيوطي [٢٧] : "الملائكة أي جبريل والروح أي الوحي".
ويقول سبحانه عن القرآن الكريم ووحيه:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} ١٠٢: النحل.
ويقول سبحانه:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ١٩٢- ١٩٥: الشعراء، وجبريل لا ينزل بالوحي إلا إذا كان موحى إليه به من عند الله سبحانه بداهة وقطعا.