كمن مَرّ إلى فَسَقَةٍ، أو كُفَّارٍ فدعاهم، ووعظهم، بل هو المَعْنِيُّ بقوله عليه السلام: "من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من اتَّبعه" (١) الحديث.، وبقوله: "من سَنَّ سُنَّة حسنة" (٢) . وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (٣) .
وليس المراد بقوله: "من سَنَّ سُنَّة" أنه يبتدع عبادة أو قولاً لم يأذن الله به.
[السنة الحسنة والسنة السيئة]
ومن السُّنة الحسنة؛ ما فعله عمر بن عبد العزيز من رد المظالم، وأخذه من الأمراء أموالا.
ومن السُّنَّةِ السَّيِّئَةِ؛ ما فعله الحجَّاجُ من أَيمان البيعة، وجرأته على الدِّمَاءِ بمُجَرِّدِ شبهة، فإنه أحدث أموراً قبيحة.
ولهذا عَظَّمَ العلماء من قدر الشافعي، وأحمد، والجنيد، وأمثالهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم سَنُّوا في الإسلام سنَّةً حسنة، وأماتوا بدعاً سيِّئَة.
قال عليه السلام: "إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها" (٤) .
فمن لم يُفرِّق بين ما ابتدعه الجعد، وغيلان، والجهم، وبين ما أحياه عمر بن عبد العزيز، والحسن، وأيوب، والأوزاعي، لم يفقه. وإن كان الكُلُّ في اللغة قد ابتدعوا وشرعوا. بل كًلّ نبيٍّ له شِرْعَة ومنهاج بإذن ربه، وإنَما ذمَّ الله مَنْ شرع ديناً لم يأذن به الله.
[المراد بقول عمر: نعمت البدعة]
ومن ذلك قول عمر: "نِعْمت البدعة"؛ لأنها بدعة في اللغة لا في العُرف الشَّرعي.
ومن بدعة اللًّغة: جَمْعُ المصحف، وشَرَح الله لذلك صدرَ عمر، وزيد، وأبي بكر، ثم عثمان.
[المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة"]
فقوله: "كُلًّ بدعة ضلالة" ليس المراد كل ما سمي في اللغة بدعة، ويوضحه قوله: "وشَر الأمور محدثاتُها" (٥) فكلاهما في العرف صار لما يذَمّ.
[كمال الدين وعدم الحاجة إلى الابتداع]