للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشافعي: "البدعة بدعتان، بدعة: خالفت كتاباً، أو سنة، أو إجماعاً، أو قول صاحب، فهذه ضلالة، وبدعة: لا تخالف ذلك فهذه حسنة".

قالوا: وثبت بالإِجماع استحباب ما يسمى بدعة كالتراويح، وذكروا حديث: "من سن سنة حسنة".

لكنهم لا يكادون يضبطون الفرق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة، فهذا يَسْتَحسِنُ ما يَذُمُّه الآخر.

[القول بأن البدعة هي ما نهي عنه لعينه وبيان ما يلزمه]

وبعضهم قال: "البدعة هي: ما نهي عنها لعينها، وما لم يرد فيه نهي لا يكون بدعة ولا سنة".

فلازم قولهم: تعطيل معنى قوله: "كل بدعة ضلالة" حيث قابلوا: التعميم بالتقسيم، والإثبات بالنفي، ولم يبق فائدة لقوله: "كل محدثة بدعة"، بل يبقى بمنزلة قوله: كُلُّ ما نهيتكم عنه ضلالة.

لكن عمدتهم ما يقوم من الأدلة على حُسْنِ بعض ما سَمَّوْهُ بدعة، من إجماع، أو قياس.

وهذه طريقة مَنْ لم يتقيَّد بالأثر إذا رأى حقا ومَصلحةً، مِنْ مُتَكَلِّمٍ وفقيهٍ وصُوفي، فتراهم قد يَخْرُجُونَ إلى ما يخالف النَّصَّ، ويتركون واجباً ومُستحبًّا، وقد لا يَعرفون بالنَّص، فلا بد من العلم بالسُّنَن.

أمّا ما صحّ فيه النهيُ فلا نزاع في أنّه منهيٌ عنه، وأنه سيّئ كما أن ما صَحّ فيه الأمر فهو شرع وسُنة.

وأما من خالف باجتهاد، أو تأويل، فهذا ما زالَ في الأعصار.

فأوَلُ ذلك بدعةُ الخوارج، حتى قال أولهم للنبي: صلى الله عليه وسلم: "اعدل".

فهؤلاءِ يُصَرِّحُون بمخالفة السنة المتواترة، ويقفون مع الكتاب، فلا يرجمون الزاني، ولا يَعتبرون النَصَابَ في السّرقة، فبدعتهم تخالف السنن المتواترةَ.

وغالب من يخالف مذاهب السلف في الأُصول والفروع، إنّما يُخالفها لاعتقاده أن ذلك مخالف للنُّصوص والعقل.

قال الإمام أحمد: "أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس".