وفي السنن لسلمان مرفوعاً: "ما سكَت الله عنه فهو مما عفا عنه" (١) .
حديث أبى ثعلبة مرفوعاً: "وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها" (٢) .
فكل ما سكت الشارع عنه هل يسمى حلالاً أو عفوا؟، فيه قولان للعلماء.
فالبدعة المذمومة، لابُدَّ أن تندرجَ في القسم المذموم محرمة كانت أو مكروهة.
كما أن السنة المحبوبة مندرجة في القسم المحمود.
[منشأ النزاع في تحديد مفهوم البدعة]
وإنما نشأ النزاع من جهة قوم ظَنُّوا أن البدعة هي ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعون، أو لم يقولوه.
والرسول صلوات الله عليه يتَحتَّمُ اتِّبَاعُه، فلا يمكن أن يكون قوله أو فعله بدعة ًقط، بل هو سنة، فتراهم تارة يقتصرون في البدعة على ما لم يصدر عنه، وتارة يَضُمُّونَ إليه الخلفاء الأربعة، وتارةً يَضُمون إليه البدرييّن، وتارة الصحابة، وتارةً الأئمةَ، وتارة السَّلف.
[فما من أحدٍ] من هؤلاء إلاّ مَن هو متبوع في شيءٍ، لأنه من أُولي الأمر.
فإذا كان متبوعاً إِمَّا شرعاً، وإِمَّا عادةً، احتاج إيجاد البدعة إلى أن يُخْرَجَ ما يتبع فيه عن أن يكون بدعة.
ثم لمّا اعتقد هذا خلق صاروا يتنازعون بعد في بعض هذه الأمور التي لم يفعلها المتبوع.
[البدعة كلها سيئة]
فقوم يرونها كلَّها سيئة، أخذاً بعموم النص في قوله: "كل بدعة ضلالة", فهؤلاء وقفوا مع النص؛ لأنّه لابد لمن سلك هذا أن يقول: "ما ثبت حسنه من هذه البدع فقد خص من العموم، أو يفرق بين البدعة اللغوية والبدعة الشرعية".
وهذه الطريقة أغلب على الأثريَّةِ، وذلك أشبه بكلام أحمد ومالك. لكن قد يُغَلِّظُون في مسمى البدعة.
وقوم قسَّمُوها إلى: محرم، ومكروه، ومباح، ومستحب، وواجب، وذكروا قول عمر: "نعمت البدعة"، وقول الحسن: "القصص بدعة، ونعمت البدعة، كم فيها من أخ مستفاد، ودعاء مستجاب".