للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعل القارئ لم ينس بعد خبر ذلك العائل الفقير الذي هجر مكة وفيها زوجه تنتحب لفراقه، ليكدح في جدة طلبا للرزق، وقد سرت عدوى الغناء إلى قلبه فلا يتمالك أن يتسلى بترجيعه ابتغاء التخفيف من أعبائه.. ولهذا القارئ أن يضيف الآن إلى ذلك المشهد خبر ذلك النبطي الفلاح الذي ارتضاه إبراهيم وابنه إسحاق حكما بينهما في أيهما أفضل غناء من الآخر، فأصغى الفلاح إلى كل من المغنيين على حدة ثم أصدر حكمه للوالد على ابنه، فلم يستطع هذا اعتراضا ورضى من الغنيمة بلطمة من أبيه يقول انه لم يمربه مثلها ١٩٩- ٢٥٥.

ولا غرو فالناس دائما على دين ملوكهم، وفي القانون الإلهي الذي نقرؤه في قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} الإسراء/ ١٦ نجد مصداق ذلك. لأن من معاني (امرنا مترفيها) أكثرناهم حتى غلبت طرائقهم على مجتمعهم ففسد تركيبه ففقد صلاحية الحياة فصار إلى الدمار.. وهو القانون الذي مضى حكمه في الأندلس ثم في الدول الإسلامية كلها فكانت ولا تزال عبرة المعتبرين!!.

ومن هنا كان ذكر المترفين في كتاب الله مقروناً أبداً بالذم والتسفيه.. وكان انتصار العقلِ على أهواء النفس هو سبيل المؤمنين إلى جنة المأوى، لأن في التشبث بضوابط الإيمان العصمةَ الواقية من الزلل فالخلل، ولا جرم أن المجتمع الإسلامي في ظل تلك الانحرافات الفوقية قد فقد الكثير من عواصمه، حتى لاستغرب أن نقرأ في كتاب يعتبره (الكبار) أحد مراجع الأدب الكبرى مثل تلك المقطعات القذرةَ من شعر دنيء يسميه المؤلف (يوسف بن الصيقل) وفيها دعوة صريحة للفارغين تزين لهم ممارسة اللواط وإيثاره، ولا يكتفي الأصفهاني بذلك حتى يعقد بين هذا الصيقل وبين الرشيد علاقة مودة تدفعه إلى الترحيب ومرافقته ومنادمته ثم إجازته! ٢٣/٠٢١٩

حتى ناصر السنة لم ينج من إفكه