ثم لا يلبث المؤلف أن يعود بقارئه إلى الخط الذي انحرف عنه قليلا ليضعنا في خلو أسطورية مع الرشيد الذي أسرَّ له مسرور الكبير بخبر تقبض له وجهه، والتفت إلى مغنيه الموصلي يستحلفه بحياته أن يُطربه بما قدر.. وأدرك هذا حاجة الخليفة إلى المسليات فانطلق يغني:
نِعمَ عوناً على الهموم ثلاثُ
مترعات من بعدهن ثلاثُ
بعدها أربع تتمة عشر
لإبطاء لكنهن حِثاث
فإذا ناولتكهن جوارٍ
عطَراتُ بيض الوجه خِناث
تَمَّ فيها لك السرور، وما طيـ
ـب عيشاً إلا الخِناث الإِناث
فقال الرشيد: ويك اسقني..
فشرب ثلاثا ثم ثلاثا ثم أربعا، ويقول اسحق: فوالله ما استوفى أخرهن حتى سكر!.. ونهض ليدخل ثم قال: قم يا موصلي، فانصرفْ يا مسرور.. أقسمت بحياتي، بحقي إلا سبقته إلى منزله بمئة ألف.٥/٢٢٤ و٢٢٥.
وكان الرشيد من المعجبين بشعر ذي الرمة ولذلك عُنىَ به إبراهيم حتى التمس من الخليفة ألا يسمع شعره من غيره، ليحتكر جوائزه فيه، ولقد غناه مرة بأبيات منه فنقده ثلاثين ألف درهم ووهب له فراش البيت الذي غنى فيه، وبلغ الطرب به ذات يوم أن وثب قائما وهو يصرخ.. ثم ينتبه لنفسه فيستغفر الله!. ويعترف الموصلي أنه حصل من جوائز الرشيد على غنائه بشعر ذي الرمة وحده على ألفي ألف من الدراهم٥/٢٣٩-٢٤١.
ويتحفنا الأصفهاني بهذه الكبيرة الكبيرة:
أمر الرشيدُ الموصليَّ بالحضور إليه بعد العِشاء الآخرة منذرا إياه بالموت إذا تخلف، وفي الطريق إلى