ولم تغب أهمية طرسوس عن نقفور، فعزم على المقام بها وعمرها، ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ثم بدا له فعاد إلى عاصمته القسطنطينية [١٩٢] . وبقيت طرسوس قاعدة للروم للغارة على بلاد الإسلام براً وبحراً.
ولما سقطت طرسوس اضطربت بلاد الشام، وقام أهل أنطاكيا بطرد نائب سيف الدولة، وعينوا مكانه رشيقا النسيمي الذي خرج من طرسوس. وأعلنوا أنه لا مقام لهم بعد طرسوس. فقام الأمير رشيق بمكاتبة الروم، ودفع لهم ٤٠٠ ألف دينار في السنة. واستمرت أنطاكيا تعاني المأساة إلى أن سقطت أيضا في كارثة إسلامية أخرى عام ٣٥٩ هـ بيد الروم [١٩٣] . وكذلك سقطت في العام نفسه ملازكرد في آسيا الصغرى. وخاف المسلمون الروم في أقطار البلاد، وأصبحت كلها سائبة، لا تمتنع عليهم يقصدون أيها شاءوا [١٩٤] .
ومن أثر سقوط طرسوس أيضا أن قوي أمر أبي عبد الله بن الداعي ببلاد الديلم.
وكتب إلى الآفاق حتى إلى بغداد، يدعو إلى الجهاد في سبيل الله لمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [١٩٥] . فوجدت دعوته صدىً.
وبسقوط طرسوس انطوت صفحة رائعة من صفحات الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى، وبقيت طرسوس بيد الروم، إلى أن عادت إلى تبعية البلاد الإسلامية علي يد مليح بن ليون الأرمني عام ٥٦٨ هـ الذي خدم نور الدين زنكي [١٩٦] . ثم أخذت وضعها الإسلامي الصحيح علي يد العثمانيين، الذين أعادوا المدّ الإسلامي إلى بلاد الأناضول. وأصبحت آسيا الصغرى على أيديهم من أهم بلاد الإسلام.