جمع كثير من الفارس والراجل، فبلغوا عمورية، ودخولها وقد انسحب منها الروم، وأوغلوا حتى وصلوا إلى أنقرة، وعادوا إلى طرسوس في رمضان [١٣١] . فشاع صيت ثمل في بلاد الروم، ورهبوه، ولكنهم تمكنوا من دخول ملطية بعد حصارها وإعطائها الأمان عام ٣٢٢ هـ. فتمكن الروم من أهلها، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأسروا ما لا يحصون كثرة [١٣٢] . في حين استمرت طرسوس تقوم بدورها، وأصبحت زعيمة الثغور جميعاً بحق، وخاصة بعد انشغال الخلافة بمشكلاتها، وقتل الخليفة المقتدر عام ٣٢٠ هـ. وازداد انتكاس الخلفاء العباسيين.
وفي عام ٣٢٤ هـ تخلّى الخليفة الراضي بالله (٣٢٢-٣٢٩) عن كل صلاحياته تقريباً، وسلم مقاليد الدولة لمحمد بن رائق أمير الأمراء [١٣٣] ، وأصبح التنافس على هذا المنصب الخطير بين القادة. وضعف أمر الخلافة جداً عام ٣٢٥ هـ، وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها، أو عامل لا يحمل مالا إلى الخلافة، وصارت أشبه بملوك الطوِائف [١٣٤] ، وتمتع أهل الثغور عامة، وطرسوس خاصة باحترام جميع المسلمين، حيث وقفوا سدا في وجه أطماع الدولة البيزنطية، تحطمت على صخرتها موجات الصليبية المرة تلو المرة. وخسرت عام ٣٢٦ هـ والياً من أشهر رجالها المجاهدين وهو ثمل والي طرسوس. وقد وصف بالشجاعة، وكان شجاعاً، بطلاً عظيم الهيبة، في قلوب النصرانية، كثير الإقدام عليهم، لا يهوله أن يحمل على خمسة آلاف بخمسمائة من المسلمين، وكانت له غزوات مشهورة، فولي الثغر بشرى غلام ثمل [١٣٥] ، وتم فداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة عام ٣٢٦ حد قام به ابن ورقاء الشيباني، وكان عدة من فودي من المسلمين ٦٣٠٠ بين ذكر وأنثى على نهر البدندون [١٣٦] .