وفي عام ٣٠٠ هـ قلّد المقتدر مؤنس الخادم الحرمين والثغور، وولىّ بشر بن أبي الساج الأفشيني طرسوس [١١١] ، وقام مؤنس بغزو الروم مع بشر، وأوقع بهم بأساً شديداً، وأسر ١٥٠ بطريقا- أي أميرا- عام ٣٠١ هـ، وفي عام ٣٠٢ هـ، وصلت الأخبار إلى بغداد بانتصارات مؤنس وبشر، ففرح المسلمون بذلك [١١٢] ، ونال مؤنس لقب المظفر، وأمر المقتدر وزيره علي بن عيسى بالمسير إلى طرسوس، لغزو الصائفة، فسار في ألفي فارس معونة لبشر والي طرسوس، فلم يتيسر لهم غزو الصائفة فغزوا شاتية، وفي برد شديد وثلج [١١٣] .
وانشغل جند المسلمين والثغور بأمر الحسين بن حمدان عام ٣٠٣ هـ، فاغتنم الروم الفرصة، وسار الغثيط على رأس جيش كبير، وأوقع بغزاة من أهل طرسوس والغزاة، وقتلوا نحو ستمائة فارس. ولم يكن للمسلمين صائفة. وسبي من المسلمين في الثغور حوالي ٥٠ ألفاً. فعظم الأمر على المسلمين، فوجه المقتدر بمال ورجال إلى طرسوس. وارتحل الروم بعد وقعات كثيرة [١١٤] . وقام مؤنس المظفر بغزو الصائفة عام ٣٠٤ هـ من ملطية، وكتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام أن يغزو من طرسوس في أهلها، ففعل. وأنكى مؤنس الروم، وفتح حصوناً كثيرة، وأثر آثاراً جميلة، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا:"لو شاء لفعل أكثر من هذا"، ولكنه عاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفة، وخلع عليه [١١٥] . فوصل وفد من ملك الروم عام ٣٠٥ هـ إلى بغداد، ومعهم الهدايا، فأكرم المقتدر الوفد، وأدرك مهمة الوفد التجسسية كعادة رسل الروم، فعرض الجيش الإسلامي، عرضا مهيباً رائعاً، وكان يوماً مشهوداً [١١٦] ، وسير مؤنس ومعه ١٢٠ ألفاً ليحضر الفداء عام٣٠٥ هـ[١١٧] .