للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الحرب كانت حربا كلامية ونفسية بالنقد اللاذع والتحقير والسخرية ودمغ المشركين بالضلال والجهل مع إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وكان من آثار تلك الحرب ومن آثار تلك الدعوة والبيان أن هدى الله كثيراً من العرب من قريش وغيرهم ومن الأوس والخزرج وفتح الله بصائرهم وعرفوا حقيقة التوحيد ومكانته وعرفوا حقارة الشرك بالأوثان وغيرها وخطورته في الوقت نفسه على المشركين في الدنيا والآخرة.

وهذه ثمار طيبة عظيمة كانت نتيجة لجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصبرهم في ميدان الدعوة الحقة إلى الله وحملتهم المكثفة على الطواغيت والأوثان والأنصاب.

ثم لما أصبح للمسلمين شوكة ودولة انتقل رسول التوحيد صلى الله عليه وسلم إلى خطوة عملية جديدة هي سحق الأصنام وتحطيمها وإبادتها وتطهير الأرض منها إدراكا منه لخطورتها فهي المصدر الأساسي والخطير على الأجيال البشرية من فجر تاريخها وإلى أن ينتهي تاريخها كما قالٍ إمام الحنفاء: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} (إبراهيم: ٣٥-٣٦) . فمن هنا قرر الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم القيام بتطهير الأرض من الأوثان وتسوية القبور لأنها قرينة الأصنام في إضلال البشرية.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقوله: "جاء الحق وزهق الباطل "، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد" [٦٢] .