للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء في تفسير البحر المحيط لأبي حيان أنّ ابن عطية يرى أن استفهام {أَفَلا يَتُوبُونَ} للتحضيض على التوبة وطلب المغفرة. وقد علق أبو حيان على رأي ابن عطية هذا فقال: "وما ذكره من الحث والتحضيض على التوبة من حيث المعنى لا من حيث مدلول اللفظ؛ لأن مدلول (أفلا) غير مدلول (ألا) التي للحض والحث"اهـ أبو حيان.

وإنما كانت (أفلا) لا تدل على الحث والحض نصاً ومباشرة أو كما قال أبو حيان من حيث اللفظ؛ لأن الفاء الفاصلة بين الهمزة و (لا) تحتّم أن تكون الهمزة للاستفهام، وأن تكون الفاء للعطف، و (لا) نافية.

وأفاد هذا الاستفهام الحث والتحضيض من حيث المعنى والسياق لا من حيث دلالة اللفظ النصية؛ لأنه استفهام إنكار وتوبيخ، وإنكار عدم التوبة، والتوبيخ على تركها يفيد بطريق غير مباشر الحث على التوبة والتحضيض عليها.

وقد سها أبو حيان فقال في صيغة (أفلا تتفكرون) ما قاله ابن عطية في صيغة (أفلا يتوبون) ، قال في تفسير البحر المحيط: " (أفلا تتفكرون) هذا عرض وتحضيض معناه الأمر أي ففكروا"اهـ أبو حيان.

وليس لي هنا إلا أن أقول لأبي حيان ما قاله أبو حيان نفسه لابن عطية من أن دلالة (أفلا تتفكرون) على العرض والتحضيض إنما هو من حيث المعنى لا من حيث مدلول اللفظ؛ لأن مدلول (أفلا) غير مدلول (ألا) التي للحثّ والحض.

وقد تقدّم قبل قليل بيان ذلك وسببه.

الاستفهام الثالث: (أولا يذكر الإنسان) وقد جاء في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وََلمْ يَكُ شَيْئاً} . الآيتان: (٦٦-٦٧) من سورة مريم.

تتضمن الآية الأولى من هاتين الآيتين الكريمتين أن الإنسان الكافر المنكر للبعث يقول لن أخرج حيا من القبر بعد أن أكون قد متُّ وأصبحتُ عظاما بالية، إن هذا لن يكون.