بل إنه يمكن القول: إن القرن السادس الهجري يمثل قمة ازدهار النشاط النحوي، إذ قاموا بالاستقلال في البحث والتأليف، لذا كان إنتاجهم وافراً وأكسبهم ذلك فضلاً كبيراً على التراث، حداهم في ذلك روح التفاني والجهد الدائب في سبيل خدمة العربية والإخلاص لها، وقد كان الإنتاج الرائع لعلماء الأندلس تعويضا خلاّقاً عما فقده المشرق حين تهاوى تحت جحافل الغزاة والطامعين، وبديلاً فعَّالا لما افتقدته الدراسات النحوية من جهود علماء البصرة والكوفة الذين انْحلَّ عقدهم بعد القرن الرابع الهجري تقريباً.
تلك فكرة عجلى عن الدراسات النحوية في الأندلس منذ نشأتها حتى عصر عَالِمنَا الذي سنتحدث عنه ((ابن هشام الخَضْرَاوي)) .
ومما تجدر الإشارة إليه أن ابن هشام الخَضْرَاوي لم ينل حظه من الشهرة والذيوع مثلما نالها ابن هشام المصري ذلك أن الأخير بلغ شأواً بعيدا في فنه فألف كتابه المشهور (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) وغيره كأوضح المسالك، وشرح اللمحة البدرية ... وهي مؤلفات تدلك على علو كعبه في هذا الفن وقوة اقتداره وتمكنه العجيب، ولو اقتصر على المغني.. لكفاه منزلة ورفعةً، ولهذا غطت شهرته الآفاق، وتبارى الباحثون في الكتابة عنه مرَّات ومرَّات، غاية القول أنه لم يترك لزميله في المغرب الفرصة للظهور حتى يمكن للدراسات أن تدور حوله، فظل شخصية يكتنفها الغموض، وعلى الرغم من ذلك فقد وجدنا ابن هشام المصري يعتمد آراء ابن هشام الخضراوي ويعول عليها، والقارئ لكتاب مغني اللبيب يجده يشير إليه حينا يلقبه الخضراوي [٧] وحينا بدونه [٨] ، وكذا فعل في أوضح المسالك وشرح اللمحة البدرية، وهذا يعطينا الدلالة على مكانة ابن هشام الخضراوي في مجال الدراسات النحوية وأثره في الخالفين بعده من العلماء. فمن هو؟