للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن المتأمل في هذه الآيات التي جاء فيها تكرار لفظ النطفة التي تكون منها هذا الإنسان ونشأ عنها، يتبين له أن قصد الشارع جل وعلا من هذا التعبير هو لفت نظر المخاطب إلى القدرة المبدعة، قدرة الله تعالى التي جعلت من هذه النطفة، أو جزيء منها بشرا سويا، مخالفا ومباينا كل المباينة لتلك النطفة المهينة، ولولا هذا البيان الرائع الذي ساقه الله في القرآن الكريم، موضحا هذه النشأة لما صدق إنسان أن وجوده بهذه الهيئة، وهذا الشكل والقّدّ، مزودا بالسمع والبصر، والعقل والأعضاء والجوارح التي تتفق مع مصالحه، من الحركة والقيام، والمشي والقعود، وغير ذلك فإن كل ذلك وجد من هذه النطفة، كما أنه كان من المستبعد أن يتصور إنسان أن هذه النخلة قد وجدت من هذه النواة لولا وجودها المشاهد فعلا.

ونعود إلى الآية الكريمة التي شرحت أطوار هذه النطفة، إلى أن صارت بشرا ناطقا، لنرى فيها صنعة الخالق العليم القادر الحكيم، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين.

يقول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون /١٢_١٤)

فقد أشارت الآية إلى أصل الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام، إذ كان خلقه من طين، كما تحدث عن ذلك الكتاب العزيز، أما نسله فقد جعله الباري جل وعلا من تلك النطفة التي خلقها، وهيأ لها الأسباب الموصلة لها إلى مستقرها، ذلك القرار المكين.