ذلك أن الماء أصل من أصول الحياة ويحتاج إليه كل حي كما قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاء}(النور/٤٥) وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(الأنبياء /٣٠) . من الذي أنشأ هذا الماء فكون عناصره، من الذي أنزله من السحاب عذبا تشربونه وتسقون منه أنعامكم وزروعكم؟ وقد خصه الله تعالى بوصف من أهم منافعه المتعلقة به وهو الشرب {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} أم نحن الذين أنزلناه من تلك المزن وهو السحاب المسخر بين السماء والأرض بقدرتنا وجعلناه عذبا زلالا مستساغ الطعم بمشيئتنا فلم شئنا لجعلناه أجاجا، مالحا لا يستساغ طعمه غير صالح للشرب ولا لإنبات الزرع، فهلا تشكرون الله الذي أنعم عليكم بإنزاله المطر عذبا زلالا.
يقول سيد قطب: "والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحاب في صورته المباشرة مادة حياتهم وموضع احتفالاتهم ... ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري، بل لعلها تضاعفت.
والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم، فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء [٢٠] .
والنار أمس الأشياء بحياة الإنسان اليومية، فلا تقوم أمور الناس إلا بها وهي التي يوريها الإنسان ويقدحها فيستخرجها من أصلها، أهو الذي أنشأ شجرتها المودعة فيها؟.
أفرأيتم النار التي تورون، أأنتم أنشأتم شجرتها، أم نحن الذين أنشأناها لطفا بكم إذ لا تقوم حياتكم إلا بها، كما جعلناها تذكرة لكم بنار الآخرة، ليحاسب كل إنسان نفسه، إذ لا طاقة له بهذه النار التي هي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم كما جاء ذلك عن المصطفى [٢١] صلى الله عليه وسلم، وكما جعلنا النار تذكرة لكم بنار الآخرة، جعلناها أيضا متاعا للمقوين أي المسافرين لأنهم في أمس الحاجة إليها من المقيمين.