وقد تضمنت هذه الآيات أمورا محسوسة مشاهدة، بل هي ألصق الأشياء بحياة المخاطبين، الزرع والماء، والنار، فأي إنسان في أي بيئة لم تدخل هذه الأمور في مشاهدته {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} احتجاج بما يباشرونه بأنفسهم من حرث الأرض وإلقاء البذور التي خلقها الله فيها، إذ يوجه لهم هذا الخطاب بصورة الاستفهام التقريري عن دورهم في إثبات تلك البذور وحفظها إلى أن تؤتي ثمارها {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} أي تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} الذين فعلنا ذلك بقدرتنا وإرادتنا، أما أنتم فلم يكن لكم من عمل في ذلك إلا الحرث وهو شق الأرض وإلقاء البذور فيها، فذلك هو دوركم في هذا الزرع الذي فيه طعامكم والذي به قوام حياتكم ثم بعد ذلك تتركونه ليد القدرة المبدعة، فهي التي تنشئه، إذ تأخذ الحبة والبذرة طريقها فتسير سير الخبير العارف بمسالك الطريق، إلى الهدف المرسوم الذي قدر لها خالقها {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} إن ذلك من صنعنا وبإرادتنا إذ لم شئنا {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} قبل أن يأتي ثماره ولو وقع ذلك لظلتم تفكهون في المقالة أي تُلَونون الحديث فتارة تقولون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} وتارة تقولون {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}[١٩] .