للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما اقتربا من جيش الخليفة ونزلا بمرحلة دونه جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول يعز عليه أن أقول لك يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفه، وهو يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بسيفه. فحنى أحمد على ركبته، ورفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤذته فما كان آخر الليل خرج الصريخ ينعي موت المأمون. ولم تكد تنفرج حتى ولى الخلافة المعتصم والتف حوله غلاة المعتزلة وشحنوه بالباطل وكان أشد على أهل السنة من المأمون، فردا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى ومات ابن نوح في الطريق وأودع أحمد السجن مدة ثمانية وعشرين شهرا قضاها والقيد في رجليه لم ينزع عنهما فكان يصلي إماما بأهل السجن والقيد في رجليه رحمه الله تعالى. ولما تمت هذه المدة أحضر أحمد أمام الخليفة وليسأل ويضرب ويطلب إليه القول بالبدعة فيرفض ويعذب، حتى مل سائلوه ومعذبوه.

وضج من هول العذاب من حوله من السامعين والمتفرجين، والإمام صابر ثابت يقرع الحجة بالحجة، ويدفع ضجة الباطل ويعلو الحق. حتى كتب الله له وفاز بلقب بطل المحنة وإمام الثبات والصبر.

وهكذا صبر أحمد وثبت على مبدأ الحق فلم يبدل ولم يغير فكان مثال الكمال في الصبر والثبات على المبدأ فرحمه الله رحمة واسعة وخلد ذكراه، وجعل الجنة مثواه.

ربانيته ووفاته:

وأخيرا ربانيته ووفاته..

إن ربانية أحمد وهي قوة صلته بربه تعالى ونسبته إليه ولصوقه بجنانه تعالى حتى ما كان يعرف إلا به تعالى فيبلغ القول فيها إنها كانت ربانية قائمة على التوحيد الخالص، والعلم اليقين الكامل، والزهد لا فيما عند الله، والفقر إلا إلى الله. ولتجلي هذه الربانية القوية نورد طرفا من موجز كلامه وآخر من مظاهر كماله فنقول: