(أما الحشر فيعنى به إعادة الخلق. وقد دلت عليه القواطع الشرعية، وهو ممكن بدليل الابتداء فإن الإعادة خلق ثان، ولا فرق بينه وبين الابتداء وإنما يسمى الإعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق، والقادر على الإنشاء والابتداء قادر على الإعادة، وهو المعنى بقوله:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فإن قيل فما تقولون؟ أتعدم الجواهر والأعراض ثم يعادان جميعا. أو تعدم الأعراض دون الجواهر، وإنما تعاد الأعراض.
قلنا كل ذلك ممكن وليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات. وأحد الوجهين أن تعدم الأعراض ويبقى جسم الإنسان متصورا بصورة التراب -مثلا- فتكون قد زالت منه الحياة واللون والرطوبة والتركيب والهيئة وجملة من الأعراض، ويكون معنى إعادتها أن تعاد إليها تلك الأعراض بعينها أو تعاد إليها أمثالها، فإن العرض عندنا لا يبقى، والحياة عرض، والموجود عندنا في كل ساعة عرض آخر، والإنسان هو ذلك الإنسان باعتبار جسمها فإنه واحد، لا باعتبار أعراضها فإن كل عرض يتجدد هو غير الآخرة، فليس من شرط الإعادة فرض إعادة الأعراض، وإنما ذكرنا هذا المصير بعض الأصحاب إلى استحالة إعادة الأعراض. وذلك باطل: ولكن القول في إبطاله يطول.
والوجه الآخر: أن تعدم الأجسام أيضا، ثم تعاد الأجسام بأن تخترع مرة ثانية، فإن قيل فبم يتميز المعاد عن مثل الأول؟ وما معنى قولكم إن المعاد هو عين الأول، ولم يبق للمعدوم عين حتى تعاد؟؟