فهذه الآيات تدل صراحة على أن أعضاء الإنسان، وجوارحه التي كانت في الدنيا هي نفس التي تبعث، فتشهد عليه يوم القيامة بما اقترف من سيئات متسترا عن أعين الناس، ظنا منه أن الله لا يعلم عمله ذلك. ولم يدر بخلده أن أعضاءه ستشهد عليه يوم القيامة، بكل ما اقترف في الحياة الدنيا، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُم} . ومن رحمة الله وعدله أن لا يؤاخذ عباده، إلا ببينة تشهد عليهم بما عملوا وإن كان هو يعلم السر وأخفى. ولذا فقد جعل مع كل إنسان من يدون عليه حركاته وسكناته، قال تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(ق: آية ١٨) .
وقال الله تعالى:{كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}(الانفطار: آية ١١- ١٣) .
وشرط الشهادة، أن يكون الشاهد حاضرا ومطلعا على ما يشهد به؛ فدلا ذلك على أن هذه الأعضاء التي تشهد على الإنسان، هي الأعضاء الموجودة في الدنيا حين اقترف تلك الجريمة. لا أعضاء جديدة وجدت، إلا لقالب صاحبها، لخالقه: إن هذه الأعضاء لم تكن حاضرة معي في الدنيا حتى تشهد علي.
أما نسبة القول -بخلق أجسام جديدة غير التي كانت في الدنيا- إلى من أشار إليهم شارح المواقف، ومنهم الغزالي، فالذي يبدو إن نسبة هذا القول للغزالي خطأ. ذلك أن قوله صريح في أن المعاد هو عين الأول لا مثله، وما نقل عنه من القول بإعادة بدن جديد تتعلق به الروح كما هو مذكور في كتابه: تهافت الفلاسفة- فقد صرح في كتابه- الاقتصاد في الاعتقاد- أن ذلك على سبيل الإلزام منه للفلاسفة بما يعتقدون. ولا أنه هو المذهب الحق الذي يعتقده، ولكون الغزالي متهما في هذه المسألة حتى من أتباعه. فسننقل عنه ما ذكره في كتابه المشار إليه -وإن طال لبيان الحقيقة- يقوله تحت فصل- في باب قضاء العقل بما جاء الشرع به من الحشر النشر: