يقول تعالى موجِّها خطابه للناس جميعا، والمقصود الذين يتشككون في أمر البعث فيستبعدون وقوعه، بعد أن تفرقت الأجسام وتلاشت فذهبت في الأرض، وصارت ترابا، يقول لهؤلاء {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أي في شك من قدرتنا على إعادة هذه الأجسام، المختلطة بالتراب، استبعادا لإمكان ذلك وشكا في وقوعه، فانظروا في بدء خلقكم الأول فإنا خلقناكم من تراب وذلك في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السلام ثم جعلنا خلقكم بعده في صورة أغرب ما خلق الإنسان من تراب، فقد خلقناكم من نطفة ماء، ثم أخذت تلك النطفة أطوارها المتعددة وصورها المختلفة، فقد كان هذا الإنسان الجاحد لإعادته مرة أخرى، نطفة ماء، ثم تحولت تلك النطفة إلى علقة أي دم جامد ثم تحولت إلى مضغة لحم، مخلقة، أي متبينة الخلق مصورة، وغير مخلقة لم يبين خلقها وصورتها، تلك أطوار النطفة التي تمر بها في رحلتها إلا أن تصبح جنينا يتحرك في ذلك القرار المكين {مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} قدرتنا على الخلق والإعادة، {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} من تلك النطف بعد تمام الخلق {مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} وهو وقت الوضع {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أي أطفالا تتنسمون الحياة، مزودين بجميع الوسائل اللازمة لمواجهة الحياة الجديدة على هذه الأرض من رئة يتنفس بها، ويسمع، ويبصر وأيد يبطش بها، وأرجل يمضي بها. الخ ما هنالك من صفات وأعضاء وضعها الخالق العظيم في الإنسان مما يدل دلالة قطعية على أن هذا الإنسان قد أعد إعداده هذا عن علم وحكمة، وبعد خروجه لهذه الحياة رباه خالقه بنعمه إلى أن أصبح شخصا قويا، {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} .