للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الآيات الكونية، العلوية منها والسفلية، تهدي المتفكر فيها، المستعمل لعقله الفطري، الذي فطره عليه خالقه، على أنها قد أوجدت، وأحكمت، ونظمت بتدبير حكيم عليم قادر، تقتضي حكمته رجوع الخلائق إليه، وملاقاتهم له، وتدل دلالة واضحة على أن من طلب دليلا غير هذه الأدلة، على قدرة الله لإعادته للحياة مرة أخرى أنه ممن يعجب من قوله، ويستهزأ من طلبه، وهكذا نرى أن الله تبارك وتعالى، بعد أن عرض هذه الأدلة على المخاطبين المنكرين للبعث، وبعد أن اتضح الدليل لديهم بما لا يدع مجالا للشك في قدرة الخالق على إعادتهم، أورد قضية البعث معجبا رسوله صلى الله عليه وسلم من الجاحدين لقدرته تعالى، على إعادتهم خلقا جديدا، بعد أن تفتت أجسامهم فصارت ترابا، فيقول جل شأنه، {وَإِنْ تَعْجَبْ} يا محمد {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} ، ولم يكن هذا الإنكار الصادر منهم لعدم الدليل على البعث، وإنما كان بسبب كفرهم المتأصل في نفوسهم.

فاستحقوا أن يحكم الله عليهم، بعد أن أقام عليهم الحجة البالغة، بالأغلال في أعناقهم، والسلاسل يسحبون بها في النار المصاحبة لهم، المستمرة معهم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فيخلدون فيها جزاء لهم على كفرهم وعنادهم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} (النساء آية ٥٦) .

النموذج الرابع: من المسلك الثاني:

يقول تعالى في سورة الحج: