تبدأ الآيات الكريمة برسم المشاهد الكونية الدالة على القدرة الإلهية، السماء وما شملت من أفلاك، والأرض وما حوت من أنهار وجبال، وما أخرجت من ثمار، ثم التعجب من حال من ينكر البعث والحياة مرة أخرى بعد أن شاهد هذه الآيات المعروضة على العقول والأبصار، يقول تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} وهو إخبار منه تعالى عن كمال القدرة وعظيم السلطان، فبأمره رفع السموات عن الأرض، هذه السموات التي لا يحيط بها البصر إدراكا، ولا يعلم مقدار سعتها وعظمتها، إلا خالقها رفعها بأمره، ويمسكها بقدرته أن تزول، مستشهدا على ذلك برؤية المخاطبين لها مرفوعة بغير عمد تسندها، محكمة البناء لا شقوق فيها ولا تصدع، فنحن نكرر النظر إليها مرات ومرات، فترجع أبصارنا كآلة من غير أن تدرك شيئا مخلا، في هذا البناء الهائل والسقف المرفوع، وإنما تدرك فيه الإبداع والاتقان المنبئين عن الحكمة والتدبير {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، والعرش من الأمور المغيبة عنا، والله هو وحده العالم بسعته وعظمته وقد استوى عليه استواء يليق بجلاله كما أخبر. وتنقلنا الآيات من معهد السماء المرفوعة بغير عمد، إلى مشهد التسخير والتقدير {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} فقد خلقهما بقدرته وسخرهما بإرادته يجريان، دائبين لا يفتران، إلى أجلهما المسمى، وقد خص كلا منهما بخاصته فجعل الشمس سراجا وهاجا، وجعل القمر نورا، كلاهما ترتبط بها حياة الإنسان في نفسه، وفي جميع شئون حياته اليومية والشهرية والسنوية، أمور تلمس القلوب وتخاطب المشاعر بما يحسه الإنسان ويدركه كجزء من حياته.
{يُدَبِّرُ الأَمْرَ} كله، فله الخلق والأمر، فمن تدبيره: خلق السموات وحفظها، ومن تدبيره وتقديره: خلق الشمس والقمر، وتسخيرهما يجريان إلى أجلهما المسمى.