وهذا الترجيح هو الذي ارتضاه الطبري حين قال [٤٣] : "وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله:{أَلمْ تَرَ إِلى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالةَ..}(٤٤: النساء) ، ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله:{يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلى أَدْبَارِهَا} الآية.. بأسه [٤٤] وسطوته وتعجيل عقابه لهم، إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به، ولاشك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارا"اه.
وآثر القاسمي حمل الآية على الحقيقة فقال [٤٥] : "ولا يخفى أن جميع ما ذكر من التأويلات غير الأول، لا يساعده مقام تشديد الوعيد، وتعميم التهديد، فإن المتبادر من اللفظ الحقيقة، ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر إرادتها، ورد على القائلين بأن قرينة المجاز هي عدم وقوع المتوعد به، بأنه ليس في الآية ما يدل على تحتم وقوع الوعيد إن لم يؤمنوا، ولو فهم منها هذا فهما أوليا، لكان إيمانهم بعدها إيمان إلجاء واضطرار، وهو ينافي التكليف الشرعي، وذهب إلى أن هذه الآية هي كقوله تعالى:{وَلوْ نَشَاءُ لطَمَسْنَا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلوْ نَشَاءُ لمَسَخْنَاهُمْ عَلى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلا يَرْجِعُونَ}(٣٦: يس) .