ولو أنهم قالوا إن هذه السفينة كانت مركب النجاة للمؤمنين، لصدقوا، ولكن هذا التأويل السابق إهدار للغة، ومسخ لدلالات الألفاظ، وتكذيب لآيات أخرى من القرآن، ورد فيها النص الصريح عن هذه السفينة كقوله تعالى:{وَحَمَلنَاهُ عَلى ذَاتِ أَلوَاحٍ وَدُسُر، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(١٣- ١٤، القمر) ، ففي هذا النص الكريم ذكر الله المواد التي صنعت منها السفينة، كما ذكر سبحانه أمره العلوي لنوح عليه السلام بصناعتها في قوله:{وَاصْنَعِ الفُلكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الذِينَ ظَلمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الفُلكَ وَكُلمَا مَرَّ عَليْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَال إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}(٣٧، ٣٨: هود) .
وهكذا ترى أن المؤول إن ركب متن الشطط في تأويل آية، أحاطت به آيات أخر، فلا يستطيع لها صرفا ولا تأويلا.
ثانيا: تأويل غرقى الطوفان:
وجمحت بأولئك الحسيين عقولهم؛ فتساءلوا كيف يهلك الله في الطوفان الأطفال، وهم غير مكلفين؟ وأدى بهم هذا الجموح إلى افتراض لا علم لهم به ولا برهان، وهذا الافتراض جعلوه خبرا كأنه قد وقع؛ فقالوا:"إن الله قد عقم النساء خمسة عشر عاما قبل الطوفان فلم تلد منهن واحدة، وبذلك لم يهلك في الطوفان إلا بالغ مكلف، جاوز عمره خمسة عشر عاما".
وغاب عن هؤلاء ما ذكره رب العزة على لسان نوح عليه السلام:{وَقَال نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً}(٢٦، ٢٧: نوح) .