الدُّنْيَا فَمَدَحْنَاهَا، وَأَبْغَضَهَا فَأَحْبَبْنَاهَا، وَزَهَّدَنَا فِيهَا فَآثَرْنَاهَا، وَرَغَّبَنَا فِي طَلَبِهَا، وَوَعَدَكُمْ خَرَابَ الدُّنْيَا فَحَصَّنْتُمُوهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ طَلَبِهَا فَطَلَبْتُمُوهَا، وَأَنْذَرَكُمُ الْكُنُوزَ فَكَنَزْتُمُوهَا، دَعَتْكُمْ إِلَى هَذِهِ الْغَرَّارَةِ دَوَاعِيهَا، فَأَجَبْتُمْ مُسْرِعِينَ مُنَادِيَهَا، خَدَعَتْكُمْ بِغُرُورِهَا، وَمَنَّتْكُمْ فَأَقْرَرْتُمْ خَاضِعِينَ لِأَمَانِيِّهَا، تَتَمَرَّغُونَ فِي زَهَرَاتِهَا، وَتَتَنَعَّمُونَ فِي لَذَّاتِهَا، وَتَتَقَلَّبُونَ فِي شَهَوَاتِهَا، وَتَتَلَوَّثُونَ بِتَبِعَاتِهَا، تَنْبُشُونَ بِمَخَالِبِ الْحِرْصِ عَنْ خَزَائِنِهَا، وَتَحْفِرُونَ بِمَعَاوِلِ الطَّمَعِ فِي مَعَادِنِهَا.
وَشَكَى رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ كَثْرَةَ الْعِيَالِ فَقَالَ: ابْعَثْ إِلَيَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا رِزْقُهُ عَلَى اللَّهِ. فَسَكَتَ الرَّجُلُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: مَرَرْتُ فِي بَعْضِ جِبَالِ الشَّامِ فَإِذَا بِحَجَرٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهِ بِالْعَرَبِيَّةِ:
كُلُّ حَيٍّ وَإِنْ بَقِيَ … فَمِنَ الْعُمْرِ يَسْتَقِي
فَاعَمَلِ الْيَوْمَ وَاجْتَهِدْ … وَاحْذَرِ الْمَوْتَ يَا شَقِي
فَبَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ أَقْرَأُ وَأَبْكِي، إِذَا بِرَجُلٍ أَشْعَثَ أَغْبَرَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ شَعْرٍ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: مِمَّ تَبْكِي؟ فَقُلْتُ: مِنْ هَذَا. فَأَخَذَ بِيَدِي وَمَضَى غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِذَا صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ الْمِحْرَابِ فَقَالَ: اقْرَأْ وَابْكِ، وَلَا تُقَصِّرْ. وَقَامَ هُوَ يُصَلِّي فَإِذَا فِي أَعْلَاهُ نَقْشٌ بَيِّنٌ عَرَبِيٌّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute