فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ أَيْ; مِنِّي لِذَلِكَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ تَقْدِيرِي وَتَسْيِيرِي وَاصْطَنَعَتْكَ لِنَفْسِي أَيْ; اصْطَفَيْتُكَ لِنَفْسِي بِرِسَالَتِي وَبِكَلَامِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي يَعْنِي: وَلَا تَفْتُرَا فِي ذَكَرِي إِذْ قَدِمْتُمَا عَلَيْهِ، وَوَفَدْتُمَا إِلَيْهِ; فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَكُمَا عَلَى مُخَاطَبَتِهِ وَمُجَاوَبَتِهِ، وَإِهْدَاءِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ وَقَالَ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الْأَنْفَالِ: ٤٥].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وَهَذَا مِنْ حِلْمِهِ تَعَالَى، وَكَرَمِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِ فِرْعَوْنَ وَعُتُوِّهِ وَتَجَبُّرِهِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَرْدَى خَلْقِهِ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلَقَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَعَ هَذَا يَقُولُ لَهُمَا وَيَأْمُرُهُمَا أَنْ يَدْعُوَاهُ إِلَيْهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ; بِرِفْقٍ وَلِينٍ، وَيُعَامِلَاهُ مُعَامَلَةَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَتَذَكَّرَ أَوْ يَخْشَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النَّحْلِ: ١٢٥]. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمُ الْآيَةَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٤٦]. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا;. أَعْذِرَا إِلَيْهِ، قَوْلًا لَهُ: إِنَّ لَكَ رَبًّا وَلَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute