للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ آسِيَةُ، وَقَالَتْ: إِنَّهُ طِفْلٌ. فَاخْتَبَرَهُ بِوَضْعِ تَمْرَةٍ وَجَمْرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَمَّ بِأَخْذِ التَّمْرَةِ، فَصَرَفَ الْمَلَكُ يَدَهُ إِلَى الْجَمْرَةِ، فَأَخَذَهَا، فَوَضَعَهَا عَلَى لِسَانِهِ، فَأَصَابَهُ لُثْغَةٌ بِسَبَبِهَا، فَسَأَلَ زَوَالَ بَعْضِهَا بِمِقْدَارِ مَا يَفْهَمُونَ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ زَوَالَهَا بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَالرُّسُلُ إِنَّمَا يَسْأَلُونَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. وَلِهَذَا بَقِيَتْ فِي لِسَانِهِ بَقِيَّةٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِرْعَوْنُ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، فِيمَا زَعَمَ إِنَّهُ يَعِيبُ بِهِ الْكِلِيمَ: وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [الزُّخْرُفِ: ٥٢]. أَيْ; يُفْصِحُ عَنْ مُرَادِهِ، وَيُعَبِّرُ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَفُؤَادِهِ. ثُمَّ قَالَ مُوسَى، : وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه: ٢٩ - ٣٦]. أَيْ; قَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَى جَمِيعِ مَا سَأَلْتَ، وَأَعْطَيْنَاكَ الَّذِي طَلَبْتَ. وَهَذَا مِنْ وَجَاهَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ ﷿، حِينَ شَفَعَ أَنْ يُوحِيَ اللَّهُ إِلَى أَخِيهِ فَأَوْحَى إِلَيْهِ، وَهَذَا جَاهٌ عَظِيمٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الْأَحْزَابِ: ٦٩]. وَقَالَ تَعَالَى: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا [مَرْيَمَ: ٥٣]. وَقَدْ سَمِعَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَجُلًا يَقُولُ لِأُنَاسٍ، وَهُمْ سَائِرُونَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ: أَيُّ أَخٍ أَمَنُّ عَلَى أَخِيهِ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَنْ حَوْلَ هَوْدَجِهَا: هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ حِينَ شَفَعَ فِي أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>