للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّلُوكِ فِي الدَّرْبِ الْمَأْلُوفِ، وَجَعَلَ يُورِي زِنَادَهُ فَلَا يُوْرِي شَيْئًا، وَاشْتَدَّ الظَّلَامُ وَالْبَرَدُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَبْصَرَ عَنْ بُعْدٍ نَارًا تَأَجَّجُ فِي جَانِبِ الطُّورِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْغَرْبِيُّ مِنْهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا وَكَأَنَّهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - رَآهَا دُونَهُمْ; لِأَنَّ هَذِهِ النَّارَ هِيَ نُورٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَا تَصْلُحُ رُؤْيَتُهَا لِكُلِّ أَحَدٍ لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَيْ; لَعَلِّي أَسْتَعْلِمُ مِنْ عِنْدِهَا عَنِ الطَّرِيقِ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَاهُوا عَنِ الطَّرِيقِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ وَمُظْلِمَةٍ; لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه: ٩، ١٠]. فَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الظَّلَامِ، وَكَوْنِهِمْ تَاهُوا عَنِ الطَّرِيقِ.

وَجَمَعَ الْكُلَّ فِي سُورَةِ «النَّمْلِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النَّمْلِ: ٧]. وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ، وَأَيُّ خَبَرٍ؟ وَوَجَدَ عِنْدَهَا هُدًى، وَأَيُّ هُدًى؟ وَاقْتَبَسَ مِنْهَا نُورًا، وَأَيُّ نُورٍ؟. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ تَعَالَى فِي «النَّمْلِ»: فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النَّمْلِ: ٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>