وَذَلِكَ أَنَّ نُوحًا ﵇ لَمَّا يَئِسَ مِنْ صَلَاحِهِمْ، وَفَلَاحِهِمْ، وَرَأَى أَنَّهُمْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَتَوَصَّلُوا إِلَى أَذِيَّتِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ، وَتَكْذِيبِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ فِعَالٍ، وَمَقَالٍ دَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةَ غَضَبٍ لِلَّهِ فَلَبَّى اللَّهُ دَعْوَتَهُ وَأَجَابَ طِلْبَتَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصَّافَّاتِ: ٧٥ - ٧٦]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٦]. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ونَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاءِ: ١١٧ - ١١٨]. وَقَالَ تَعَالَى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [الْقَمَرِ: ١٠]. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٦]. وَقَالَ تَعَالَى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نُوحٍ: ٢٥ - ٢٧]. فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ خَطَايَاهُمْ مِنْ كُفْرِهِمْ وَفُجُورِهِمْ، وَدَعْوَةِ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ، وَهِيَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا نَظِيرٌ قَبْلَهَا، وَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا مِثْلَهَا، وَتَقَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ أَمْرُهُ، وَحَلَّ بِهِمْ بِأُسُهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُهُ فِيهِمْ وَلَا يُرَاجِعُهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ تُدْرِكُهُ رِقَّةٌ عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ النَّازِلِ بِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute