كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ» . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَارِيخِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧] . عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ قَالَ: وَالسَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ وَكُلُّ مَا فِيهِنَّ مِنْ شَيْءٍ تُحِيطُ بِهَا الْبِحَارُ، وَيُحِيطُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْهَيْكَلُ، وَيُحِيطُ بِالْهَيْكَلِ فِيمَا قِيلَ الْكُرْسِيُّ. وَرَوَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَحْوَهُ، وَفَسَّرَ وَهْبٌ الْهَيْكَلَ فَقَالَ: شَيْءٌ مِنْ أَطْرَافِ السَّمَاوَاتِ مُحْدِقٌ بِالْأَرَضِينَ وَالْبِحَارِ كَأَطْنَابِ الْفُسْطَاطِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى عِلْمِ الْهَيْئَةِ أَنَّ الْكُرْسِيَّ عِبَارَةٌ عَنِ الْفَلَكِ الثَّامِنِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فَلَكَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ، وَفِيمَا زَعَمُوهُ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ نِسْبَتَهَا إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ حَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، وَهَذَا لَيْسَ نِسْبَةَ فَلَكٍ إِلَى فَلَكٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْتَرِفُ بِذَلِكَ وَنُسَمِّيهِ مَعَ ذَلِكَ فَلَكًا فَنَقُولُ الْكُرْسِيُّ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةً عَنِ الْفَلَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ الْكُرْسِيَّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ كَالْمِرَقَاةِ إِلَيْهِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ فَلَكًا. وَمَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ الثَّوَابِتَ مُرَصَّعَةٌ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ هَذَا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute