فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَا شَعَرَ النَّاسُ إِلَّا وَقَدِ ارْتَفَعَتْ أَعْلَامُ الْكُفْرِ وَصُلْبَانُهُ وَشِعَارُهُ وَنَارُهُ عَلَى أَسْوَارِ الْبَلَدِ وَصَاحَ الْفِرِنْجُ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاشْتَدَّ حُزْنُ الْمُوَحِّدِينَ وَانْحَصَرَ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ فِي النَّاسِ فِي: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَغَشِيَ النَّاسَ بَهْتَةٌ عَظِيمَةٌ وَحَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ وَوَقَعَ فِي الْعَسْكَرِ الصِّيَاحُ وَالْعَوِيلُ وَالْبُكَاءُ وَالنَّحِيبُ وَدَخَلَ الْمَرْكِيسُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - وَقَدْ عَادَ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا بِهَدَايَا إِلَى الْمُلُوكِ، فَدَخَلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِأَرْبَعَةِ أَعْلَامٍ لِلْمُلُوكِ فَنَصَبَهَا فِي الْبَلَدِ وَاحِدًا عَلَى الْمِئْذَنَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَآخَرَ عَلَى الْقَلْعَةِ وَآخَرَ عَلَى بُرْجِ الدَّاوِيَّةِ وَآخَرَ عَلَى بُرْجِ الْقِتَالِ عِوَضًا عَنْ أَعْلَامِ السُّلْطَانِ، وَتَحَيَّزَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ بِهَا إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَلَدِ مُعْتَقَلِينَ مُحْتَاطٌ بِهِمْ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أُسِرَتِ النِّسَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَقُيِّدَتِ الْأَبْطَالُ وَأُهِينَ الرِّجَالُ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ الْجَيْشَ بِالتَّأَخُّرِ عَنْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْمُضَايَقَةِ إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا وَتَأَخَّرَ هُوَ جَرِيدَةً؛ لِيَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُونَ، وَمَا عَلَيْهِ يُعَوِّلُونَ وَهُمْ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْبَلَدِ مَشْغُولُونَ، وَبِتَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا مَدْهُوشُونَ ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَعِنْدَهُ مِنَ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَاءَتِ الْمُلُوكُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْأُمَرَاءُ وَكُبَرَاءُ الدَّوْلَةِ يُعَزُّونَهُ فِيمَا وَقَعَ، وَيَسَلُونَهُ عَمَّا عَنْهُ الْحَالُ انْقَشَعَ، ثُمَّ رَاسَلَ مُلُوكَ الْفِرِنْجِ فِي خَلَاصِ مَنْ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أُسَارَى الْإِسْلَامِ فَطَلَبُوا مِنْهُ عِدَّتَهُمْ مِنْ أُسَارَاهُمْ وَمِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَصَلِيبَ الصَّلَبُوتِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، فَأَرْسَلَ فَأَحْضَرَ الْمَالَ وَالصَّلِيبَ، وَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ مِنَ الْأُسَارَى إِلَّا سِتُّمِائَةِ أَسِيرٍ فَطَلَبَ الْفِرِنْجُ مِنْهُ أَنْ يُرِيَهُمُ الصَّلِيبَ مِنْ بَعِيدٍ فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute