للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الاستعادة النهضوية لرمز فينيق هو أحد أشكال وتجليات الرمز الانبعاثيّ تؤدي وظيفتها النهضوية الإحيائية بالمعنى الذي طرحه سعادة في الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ، أي إيجاد موصل الاستمرار الفلسفيّ بين السوريّ القديم والسوريّ القوميّ الاجتماعيّ الجديد، إذ أن أدونيس لا يتناول رمز فينيق كموضوع، بل يتمثله كرمز حضاريّ، ويتلبسه ويستبطن فيه عن رؤاه، وهذا يعني أن أدونيس يحول الرمز الحضاريّ إلى تجربة داخلية كيانية، يدركها حدسيًا وميتافيزيقيًا، من هنا فإنه يجسد في التجربة الاستبطانية مشاكل ميتافيزيقية فلسفية كالموت والتجدد والفراغ والغربة والحرية والنفي والقلق. . . إلخ) (١).

هذا ما شرحه أحد منظري الحداثة عن استخدام أدونيس لرمز فينيق، وفيه أشار إشارة فلسفية إلى المعنى العباديّ الذي يتضمنه كلام أدونيس عن فينيق وذلك في قوله: (يدركها حدسيًا ومتافيزقيًا. . .) (٢)، وفي الحقيقة أن أدونيس قد غرق إلى ذقنه في تأليه وعبادة الطائر الأسطوريّ فينيق ليس في هذا المقطع المسمى ترتيلة البعث بل وفي غيره، وسوف يأتي -إن شاء اللَّه- تفصيل ذلك في الفصل الرابع من هذا الباب.

والذي يخصنا في هذا المقام أن أدونيس قد اتخذ فينيق ربًا وإلهًا، واستجداه في عبودية كاملة وفي انحناء وخشوع أن يهبه مطالبه، وأن يوصله إلى مقاصده المتمثلة في طمس التوحيد والإيمان، وإحياء الوثنية والكفر، والانقطاع عن الأمة المسلمة أرضًا وتاريخًا وحضارة وقيمًا، والتواصل مع الغرب بل والاندماج الكامل فيه، وقد أداه ذلك كله إلى هذا الخنوع الوثنيّ الشبيه بخنوع وخضوع من سبقه من الكافرين أمام أصنامهم.

وإذا كان توحيد رب البرية -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- قاعدة كل ديانة جاءت من عند اللَّه، فإن الشرك قاعدة كل ديانة جاءت من عند الأهواء الشيطانية.


(١) الحداثة الأولى لباروت: ص ١٤٩. وانظر: ص ١٥٠، ١٥١، ١٥٢، ١٥٣ من الكتاب نفسه.
(٢) انظر: المصدر السابق: ص ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>