للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علانية، والغيب عنده شهادة، عطاؤه كلام، وعذابه كلام {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)}) (١) (٢).

وهذه قطرة من بحر صفاته جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وبعض ما يستحقه من جلال وجمال وكمال، وكيف لا؟ وهو الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٣)، وهو الذىِ لا نظير له {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} (٤) فما من كمال إلَّا واللَّه أكمل منه، وما من جلال إلَّا واللَّه تعالى أجل وأعظم منه، وهكذا جاءت شريعته سبحانه وتعالى، كاملة غاية الكمال، شاملة كل الشمول، عادلة أعمق العدل، وافية أتم الوفاء، لا عيب فيها ولا نقصان، ولا ظلم فيها ولا عدوان، بل هي المبرأة من كل العيوب لكمالها، النقية من كل خلل ونقص لكمال مشرعها والحاكم بها، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٥).

فهذه هي حقيقة الألوهية، بل بعض حقيقتها.

أمَّا الإنسان، فهو مخلوق بعد أن لم يكن شيئًا مذكورًا، أوجده اللَّه من العدم، وبرأه وأحياه، فهو محكوم بطبيعته من أول لحظة خلق فيها، ليس كليًا ولا مطلقًا، وليس أزليًا ولا خالدًا في الدنيا، يعيش في حالة الاضطرار دائمًا، فقير إلى من يحيه ويغذيه ويريبه وينميه ويحفظه، والفقر وصف دائم له أبدًا لا يُمكن أن ينفك عنه، وإن خيل لنفسه أنه استغنى في بعض مراحل عمره فإنه لا يُمكن له أن يدبر أمر نفسه إلَّا بمعين، ولا يُمكن له أن يخلق شيئًا ولو ظاهره كل المخلوقين، كما لا يستطيع رزق أحد ولا إعزازه ولا إذلاله إلَّا بمشيئة اللَّه رب العالمين، وفي حيز ضيق من الحياة، أمَّا الإحياء


(١) الآية ٨٢ من سورة يس.
(٢) الوابل الصيب: ص ٧٥ - ٧٧.
(٣) الآية ١١ من سورة الشورى.
(٤) الآية ٤ من سورة الإخلاص.
(٥) الآية ٣ من سورة المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>