للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البشرية باقية والإنسان زائل حتى ولو ضحى أحيانًا بشيء من حياته الخاصة) (١).

ومن المعلوم أن الاستهانة بحقوق الألفاظ والنقول والنصوص هو دأب المغالطين والمعاندين، فإن الآية الأولى التي يشيرون إليها هي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٢)، والآية الثانية هي قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} (٣)، ويا للعجب من الحداثة العربية الفكرية والأدبية ما أشد عناية أصحابها بالنصوص، وما أعمق معرفتهم بها وما أقوى صلتهم بمصادرها!!.

وكيف لا يكون هذا هو حالهم وقد نزولوا سوق الحداثة القائم على الفوضى وضياع حقوق الألفاظ والنصوص والمعاني والدلالات.

أمّا نزار قباني فلا يجد لقصيدة النثر -التي لا يعترف بها كثير من الحداثيين لتهافتها وضعفها وتفكك مبناها- إلّا أن ينسبها إلى القرآن العظيم وإلى سور معينة منه، وإلى التوراة أيضًا، يقول: (احتمالات النثر لا نهائية، ومن هذه الاحتمالات قصيدة النثر التي نجد لها أصولًا في الكتب المقدسة، كما في سورة مريم وسورة الرحمن وفي قصار السور القرآنية، كذلك نجدها في نشيد الإنشاد وفي المزامير) (٤).

وعلى ضخامة هذا الاستخفاف بالقرآن العظيم فإن القاريء لما يسمى "قصيدة النثر" في نتاج توفيق صايغ أو أنسي الحاج أو أدونيس، لا يُمكنه -إن كان صاحب ذوق وأدب- إلّا أن يتقزز من كلمات متراكمة وفواصل وعلامات ترقيم وفراغات تدل على فراغ عقول وقلوب أصحابها.

ويكفي المتأمل العاقل أن يعلم أن أول من اخترع قصيدة النثر هي


(١) المصدر السابق: ص ١١٩ - ١٢٠، وهذا القول للحداثي المصري جمال الغيطاني.
(٢) الآية ١١ من سورة الرعد.
(٣) الآيتان ٢٦، ٢٧ من سورة الرحمن.
(٤) قضايا الشعر الحديث: ص ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>