وهؤلاء القادة رؤوس الطواغيت هم مثل أتباعهم في الجهل والزيغ وإعتناق الباطل إلّا أنهم يتعالون بموقفهم القيادي، ويعتزون بالأتباع الذين يصفقون لهم، ولكنهم إذا حكت الحجج أقوالهم وكشفت البراهين زيف دعاواهم انثنوا بأعطافهم تكبيرًا واستعلاءً، وانصرفوا إلى باطلهم الذي تعرّى يحاولون ستر سوأته وتغطية عورته بالمكابرة والإصرار، وإطلاق الشتائم، وتكذيب الحقائق وتصديق الأوهام، وهذا بعض مما وصفه اللَّه تعالى من أحوالهم حيث قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (٩)} (١).
إنّ المتتبع لآيات القرآن الحكيم بتدبر وإيقان يستطيع أن يفهم نفسيات هؤلاء، ويعرف أصول منطلقاتهم وأهدافهم ومخططاتهم ومشروعاتهم، وليس في الواقع من أعمالهم إلّا تصديق ما جاء في القرآن من أوصافهم، مع فروع كثيرة من ممارساتهم وجزئيات عديدة من أقوالهم، لا تخرج عن تلك الأصول التي قالها اللَّه تعالى في ذكره لأحوالهم فسبحانه من عليم خبير.
وهكذا يبدو لنا محمد أركون وأشباهه من الذين يجادلون في آيات اللَّه بالباطل ليدحضوا به الحق.
وفي محاضرة لأركون في ندوة الإسلام والحداثة يقول تحت عنوان "الحداثة ومشكلة المعجم الاعتقادي القديم" حين اعترض عليه أحد الحاضرين وطلب منه احترام المقدسات وخاصة الوحي والتنزيل أجاب أركون: (بالطبع، معك بعض الحق، وقد نبهت منذ البداية إلى أنه ينبغي أن نسير في موضوع الحداثة بتؤدة وبطء فالأرض مزروعة بالألغام، ولكنك تستخدم كلمات كثيفة جدًا ومثقلة بالدلالات التاريخية دون أن تحاول تفكيكها أو تحليلها. . .، كل هذه التعابير المصطلحية الأساسية التي ورثناها عن الماضي "كمفردات الإيمان والعقيدة بشكل خاص" لم نعد التفكير فيها