للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين يوم أحد من المنافقين حين أظهروا النفاق وتخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: معنى الآية: {(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ)} من الإقرار حتى يفرض عليهم الجهاد والفرائض ليميز بها من يثبت على إيمانه ممّن ينقلب على عقبيه، وما كان ليطلعكم على الغيب؛ لأنه لا يعلمه إلاّ الله، ولكنّ الله يختار من رسله من يشاء، فيطلعه على بعض علم الغيب.

وروي: أنّ الحجّاج بن يوسف كان عنده منجّم، فأخذ الحجاج حصيّات بيده قد عرف عددها، فقال للمنجّم: كم في يدي؟ فحسب المنجّم فأصاب، ثم اغتفله الحجاج فأخذ حصيّات لم يعدّها، قال للمنجّم: كم في يدي؟ فحسب المنجّم فأخطأ، ثم حسب فأخطأ، فقال: أيّها الأمير: أظنّك لا تعرف عدده، قال: لا، فقال: إنّ ذلك الأوّل أحصيت عدده فخرج عن حدّ الغيب، فأصبت في حسابه، وهذا لم تعرف عدده فصار غيبا، والغيب لا يعلمه إلاّ الله.

قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ؛} من قرأ: «(ولا تحسبنّ)» بالتّاء فمعناه: ولا تظنّنّ يا محمّد بخل الذين يبخلون بما أعطاهم الله من المال؛ فيمنعون من ذلك حقّ الله في الزّكاة والجهاد وسائر وجوه البرّ التي وجبت عليهم، لا تظنّنّ ذلك خيرا لهم. وقوله {(هُوَ خَيْراً)} للفصل، ويسمّيه الكوفيّون العماد، ومعنى {(بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)} أي بخلهم بحقّ الله شرّ لهم. ومن قرأ بالياء والفعل المباخلين؛ كأنّه قال: ولا يحسبنّ الذين يبخلون البخل خيرا لهم.

قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ؛} أي سيأتون يوم القيامة بما بخلوا به من الزّكاة ونفقة الجهاد كهيئة الطّوق في أعناقهم، قال صلى الله عليه وسلم: [يأتي كنز أحدكم شجاعا أقرع فيتطوّق في عنقه يلدغه؛ حيّة في عنقه يطوّق بها؛ وتقول: أنا الزّكاة الّتي بخلت بي في الدّنيا] (١).وقال بعضهم: يجعل ما بخل به من الزّكاة حيّة في عنقه يطوّق بها-أي يوم القيامة-تنهشه من قرنه إلى قدمه؛ وتنقر رأسه وتقول:


(١) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الزكاة: باب إثم مانع الزكاة: الحديث (١٤٠٣).والترمذي في الجامع عن ابن مسعود: أبواب التفسير: الحديث (٣٠١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>