للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا خلاف بين العلماء في جواز الرهن في الحضر؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم [اشترى من يهوديّ طعاما إلى أجل ورهنه درعه] (١).والفائدة في ذكر السفر في الآية: أن الأغلب من حال السفر عدم الشهود والكتّاب؛ فخصّ الرهن بحال السفر. وعن مجاهد: (أنّه كان يكره الرّهن في الحضر).

قوله عزّ وجلّ: {لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ؛} اختلف المفسرون في هذه الآية؛ فقال قوم: هي خاصّة؛ واختلفوا في خصوصها، فقال بعضهم: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها. يعني: {(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ)} أيّها الشهود من كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان {(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)}. وهذا قول الشعبيّ وعكرمة، ورواية مجاهد عن ابن عباس، يدلّ عليه قوله تعالى فيما قبلها: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ} الآية.

وذهب بعضهم إلى أنّها عامّة في الشهادة وفي غيرها، ثم اختلفوا في وجه عمومها؛ فقال بعضهم: هي منسوخة.

وروي أنّه لمّا نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرّحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فجثوا على الرّكب وقالوا: يا رسول الله، ما نزل علينا آية أشدّ من هذه؛ إنّ أحدنا ليحدّث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت في قلبه-يعني يحدث نفسه بأمر من المعصية ثم لا يعمل بها-وإنّا لمؤاخذون بما نحدّث به نفوسنا إذا هلكنا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: [هكذا نزلت]،فقالوا: كلّفنا من العمل ما لا نطيق، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [أفتقولون كما قالت اليهود: سمعنا وعصينا؟!] فقالوا: بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله. واشتدّ عليهم ذلك؛ فمكثوا حولا، فأنزل الله عزّ وجلّ:

{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} (٢) فنسخت ما قبلها. فقال صلّى الله عليه وسلّم: [إنّ الله تجاوز


(١) أخرجه البخاري عن علي رضي الله عنه في الصحيح: كتاب البيوع: باب شراء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنسيئة: الحديث (٢٠٦٨)،وفي كتاب السلم: باب الرهن في السلم: الحديث (٢٢٥٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند: ج ١ ص ٢٣٣.ومسلم في الصحيح: كتاب الإيمان: باب أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا بما يطاق: الحديث (١٢٥/ ١٩٩)،وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>