{تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ؛} أي لا تعبدوا الشمس والقمر، واعبدوا الله الذي خلقهنّ، {إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ}(٣٧)؛أي إن كنتم تريدون بعبادة الشّمس والقمر عبادة الله.
وذلك أنّ قوما من الكفّار يسجدون لهما ويزعمون أنّهم يتقرّبون بذلك إلى الله تعالى، فقيل لهم: إن كنتم تريدون بذلك عبادة الله تعالى، فالسّجود لخالقهما أولى من السّجود لهما.
فإن قيل: ما معنى قوله {(خَلَقَهُنَّ)} والقمر مذكّر والشمس مؤنّثة، والمذكّر والمؤنث إذا اجتمعا غلب المذكّر؟ قلنا: إنّ قوله {(خَلَقَهُنَّ)} راجع إلى الآيات التي سبق ذكرها في أوّل هذه الآية من الليل والنهار والشّمس والقمر، ويكون ضمير ما لا يعقل على لفظ التأنيث كما يقال: هذه كباش ذبحن وذبحت.
قوله تعالى:{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ؛} أي فإن تكبّروا عن عبادتي والسجود لي فالملائكة الذين عند ربك بقرب الكرامة والمنزلة يصلّون له بالليل والنهار، وينزّهونه عن كلّ ما لا يليق به، {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ}(٣٨)؛أي لا يميلون على عبادته ولا يفترون.
واختلفوا في موضع السّجود من هذه السّورة؛ فقال الحسن:(عند قوله {(تَعْبُدُونَ)}.وهو قول الشّافعي. وقال ابن عبّاس ومسروق:(هو عند قوله: {لا يَسْأَمُونَ)} وهو قول علمائنا، وهو الأصحّ لأنه موضع تمام الكلام (١).
قوله تعالى:{وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً؛} من آياته الدّالة على وحدانيّته وقدرته أنّك ترى الأرض مغبرة يابسة لا نبات فيها، {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ؛} تحرّكت للنبات وانتفخت وارتفعت له حتى يكاد النبات يظهر، {إِنَّ الَّذِي أَحْياها؛} بإنزال المطر، {لَمُحْيِ الْمَوْتى؛} في الآخرة، {إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(٣٩)؛من الإحياء والإماتة.
(١) نقله القرطبي الخلاف بتفصيل أكثر في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٥ ص ٣٦٤.