للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ} (٣٦)؛ فاستجبنا له دعاءه وسخّرنا له الريح تسير بأمره ليّنة كيف أراد، وذلك أنه كان إذا أراد تسيير الريح عاصفة كانت تجري عاصفة حالة حمل السّرير لكثرة من عليه من النّجوم والحشم والأواني والفرش والأطعمة والأشربة، وكانت في حالة ما تجري بالسّرير وذلك أرفق بمن يكون على السّرير، وأبعد من الضّرر.

ومعنى الآية: فسخّرنا له الريح تجري بأمره ليّنة الهبوب ليست بالعاصف {(حَيْثُ أَصابَ)} أي حيث أراد من النواحي، وحيث قصد.

قوله تعالى: {وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ} (٣٧)؛أي وسخّرنا له الشياطين يبنون له الأبنية الرفيعة التي تعجز عنها الإنس، ويبنون له أيضا ما يشاء من محاريب وتماثيل، وقوله تعالى: {(وَغَوّاصٍ)} أي ويغوصون له في البحر فيستخرجون له اللآلي والجواهر.

وقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ} (٣٨)؛أي وسخّرنا آخرين من الشياطين وهم المردة، سخّروا له حتى قرنهم في الأصفاد وهي السّلاسل من الحديد، فكان سليمان يجعل الشياطين مقرّنين في القيود والأغلال، ويعرف من شاء منهم في الأعمال، فمعنى قوله {(مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ)} أي مشدودون في القيود.

قوله تعالى: {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} (٣٩)؛معناه:

قلنا له هذا عطاؤنا لك من المال والملك والجنود المسخّرة لم نعطه أحدا قبلك، ولا نعطيه أحدا بعدك.

وقوله {(فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ)} أي إعطاء ما أعطيناك من شئت وكيف شئت وما شئت ولمن شئت، واحبس عمّن شئت بغير تقدير، ولم يؤخذ عليك حدّ محدود في المنع ولا في الإعطاء، ولا حرج عليك فيما فعلت من ذلك، وقال في معنى {(فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ)} أي أطلق من الشّياطين الذين أوثقتهم (١) أو امسك في الوثاق من شئت منهم، وليس عليك في ذلك تبعة ولا جزاء.


(٢) -الحديث (١٢١٠)،وفيه: [فدعتّه] بدل [فخنقته].
(١) في المخطوط: (الذي أوثقتهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>