قصده حين خرج منهم للمبالغة في تحذيرهم وإنذارهم، فكان بذهابه كالفارّ من مولاه، فوصف بالإباق.
وقوله تعالى:{فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}(١٤١)؛وذلك أنه لمّا ركب السفينة، وقفت السفينة ولم تسر بأهلها، فقال الملاّحون: ههنا عبد آبق من سيّده، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها عبد آبق لا تجري واقترعوا فوقعت القرعة على يونس فقال: أنا الآبق،
{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ}.
قال سعيد بن جبير:(لمّا استهموا جاء حوت إلى السّفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربه، كأنّه يطلب واحدا من أهلها، فقال يونس: يا أهل السّفينة أنا المطلوب من بينكم، فقالوا: أنت أكرم على الله تعالى من أن يبتليك بمثل هذه البليّة، فقال لهم: اقترعوا فمن خرجت القرعة على اسمه ألقي إلى الحوت، وكان يعلم أنّ القرعة تخرج عليه، إلاّ أنّه لم يبدأ بإلقاء نفسه إلى الحوت مخافة أن تلحقه سمة الجنون، فساهم فوقع السّهم عليه فكان من المسهومين).
والمدحض في اللغة: هو المغلوب في الحجّة، وأصله من دحض الرجل إذا نزل من مكانه، فلما ألقي عليه السّلّم في البحر ابتلعه الحوت ابتلاع اللّقمة.
وقوله تعالى:{وَهُوَ مُلِيمٌ}(١٤٢)؛أي أتى بما يستحقّ عليه اللّوم، والمليم: الآتي بما يلائم على مثله، وسبب استحقاقه اللّوم خروجه من بين قومه قبل ورود الإذن عليه من الله تعالى.
قوله تعالى:{فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}(١٤٣)،أي لولا أنه كان قبل أن يلتقمه الحوت من المصلّين لله تعالى،
{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(١٤٤)؛لمكث في بطن الحوت إلى يوم البعث والنّشور. قال الحسن:(ما كانت له صلاة في بطن الحوت، ولكنّه قدّم عملا صالحا قبل ذلك)(١).
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٢٧١٧).وابن أبي حاتم في التفسير الكبير: ج ١٠ ص ٣٢٢٩.