وقال مقاتل والكلبيّ:(لمّا كانت الفترة بين عيسى ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم خمسمائة وخمسون عاما، فلمّا بعث الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كلّم الله تعالى جبريل بالرّسالة إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فسمعت الملائكة الصّوت بالوحي، فظنّوا أنّها القيامة قامت، فصعقوا ممّا سمعوا، فلمّا انحدر جبريل بالرّسالة، جعل أهل كلّ سماء يسألونه على وجه التّعرّف بعد ما انكشف الفزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قال جبريل ومن معه: قال الحقّ)(١).
وقيل: لمّا سمعت الملائكة الوحي صعقوا فخرّوا سجّدا ظانّين أنّها القيامة، فلما نزل جبريل بالوحي انكشف فزعهم فرفعوا رءوسهم، وقال بعضهم لبعض:
{(ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا الْحَقَّ)} يعني الوحي {(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)} أي الغالب القاهر السيّد المطاع الكبير العظيم، فلا شيء أعظم منه.
وقرأ الحسن «(حتّى إذا فزع عن قلوبهم)» بالعين المعجمة والزّاي بمعنى فزعت قلوبهم من الفزع، وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ قوله {(حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)} راجع إلى المشركين، فإنّهم إذا شاهدوا أهوال يوم القيامة غشي عليهم، فيزيل الله ذلك عن قلوبهم، ثم تقول لهم الملائكة: ماذا قال ربّكم في الدّنيا والآخرة؟ فيقولون:
الحقّ، فأقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار.
قوله تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ؛} أي قل يا محمّد لكفّار مكّة: من يرزقكم من السّماوات المطر، ومن الأرض النبات والثمر؟ وإنّما أمر بهذا السّؤال احتجاجا عليهم؛ لأنّ الذي يرزق هو المستحقّ للعبادة لا غيره، وذلك أنه إذا استفهمهم عن الرّزق لم يمكنهم أن يبيّنوا رازقا غير الله، فيتحيّروا في الجواب فيؤمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالجواب، فيقول لهم: إنّ الذي يرزقكم هو الله عزّ وجلّ، وثمّ الكلام.
(١) قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٦٤.ونقله القرطبي عن الكلبي أيضا كما في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٤ ص ٢٩٧.