الْمَقْبُوحِينَ} (٤٢)؛أي من المشوّهين في النّار، سواد وجوههم وزرقة الأعين، فعلى هذا يكون المعنى: هم المقبوحين. وقيل: معناه: هم من المبعدين الملعونين من القبح، وهو الإبعاد. قال أبو يزيد:(يقال: قبّح الله فلانا قبحا وقبوحا؛ أي أبعده من كلّ خير).
قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ؛} يعني القرون الأولى قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، كانوا قبل موسى. وقوله تعالى {(بَصائِرَ لِلنّاسِ)} أي أعطينا موسى التّوراة من بعد ما أهلكنا الأمم الماضية عظة وعبرة للناس ليبصروا بها أمر دينهم؛ أي ليبصروا بالتوراة ويهتدوا بها، وهو قوله تعالى:{وَهُدىً؛} من الضّلالة لمن عمل به؛ أي بالكتاب {وَرَحْمَةً؛} لمن آمن به، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(٤٣)؛أي يتذكّروا بما فيه من المواعظ والبصائر.
وعن أبي سعيد الخدريّ؛ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: [ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمّة ولا أهل قرية بعذاب من السّماء منذ أنزل التّوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الّذين مسخوا قردة، ألم تر أنّ الله قال {(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى)}] (١).
قوله تعالى:{وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ؛} معناه: ما كنت يا محمّد بجانب الوادي الغربيّ {(إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ)} أي إذ أوحينا الأمر بما ألزمناه وقومه، {وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ}(٤٤)؛تلك الحالة، وإنّما أخبرناك بذلك لتكون معجزة لك.
وقوله تعالى:{وَلكِنّا أَنْشَأْنا قُرُوناً؛} أي خلقنا قرنا بعد قرن، {فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ؛} أي طالت عليهم المهل فنسوا عهد الله، وتركوا أمره، وكذبوا الرّسل فأهلكناهم قرنا بعد قرن، وهذا كلام يدلّ على أنه قد عهد إلى موسى
(١) رواه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: الحديث (٣٥٨٧).وفي مجمع الزوائد: ج ٧ ص ٨٨؛ قال الهيثمي: (رواه البزار مرفوعا وموقوفا ... ورجالهما رجال الصحيح).