للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولينظر إلى ساقها هل به شعر كما قالوا {(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ)} أي القصر، وقيل:

صحن القصر.

قال الزجّاج: (والصّرح: القصر والصّحن، يقال: هذه ساحة الدّار وصرحة الدار) (١).والصّرح في اللغة: هو البسط المنكشف من غير سقف، ومنه صرّح بالأمر إذا أفصح به ولم يكنّ عنه، والتصريح بخلاف التّضمير.

قوله تعالى: {فَلَمّا رَأَتْهُ؛} أي فلمّا رأت بلقيس الصّرح على تلك الصّفة، {حَسِبَتْهُ لُجَّةً؛} واللّجّة معظم الماء الكثير، {وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها؛} أي رفعت ثيابها عن ساقيها حتى لا تبتلّ ثيابها على ما هو العادة من قصد الماء. قال ابن عبّاس: (لمّا كشفت ساقها رأى سليمان قدما لطيفا وساقا حسنا خدلجا (٢)،إلاّ أنّها كثيرة شعر السّاقين).فلمّا رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها، وناداها: {قالَ إِنَّهُ،} ليس هذا بماء، وإنّما هو، {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ؛} أي مملّس من زجاج، فلا تخافي واعبري عليه، فلمّا رأت السّرير والصّرح علمت أنّ ملك سليمان من الله عزّ وجلّ، و {قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي؛} بعبادة الشّمس، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} (٤٤)؛أي أخلصت التوحيد.

والمعنى: أنّ بلقيس استدلّت بما شاهدت على وحدانيّة الله وصحّة نبوّة سليمان بما رأت من شدّة قوّته وما كان من ترسّل الطير له، وإحضار عرشها في أسرع مدّة على بعد المسافة، وبناء الصّرح من القوارير على وجه الماء، فلذلك قالت: {(ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)} فتزوّجها سليمان عليه السّلام.

وقيل: لمّا أراد سليمان أن يتزوّجها كره ذلك لما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس: ما يذهب هذا؟ قالوا: الموسى، فقال: إنّها تقطع ساقيها، فسأل الجنّ فقالوا: لا ندري، ثم سأل الشياطين فقال لهم: كيف لي أن أقلع هذا الشّعر من غير


(١) في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٩٣،وقال: (وصحنة الدار، وباحة الدار، وقاعة الدار، هذا كلّه في معنى الصّحن).
(٢) الخدلجة من النساء: الرياء، الممتلئة، وقيل: هي الضخمة الساقين. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: ج ٥ ص ٣٢٢: (الخدلجة)

<<  <  ج: ص:  >  >>