للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجاء جبريل عليه السّلام إلى سليمان وأخبره بمجيئها إليه،

{قالَ} سليمان:

{يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها؛} أي سرير ملكها، {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (٣٨)؛أي مؤمنين، وقيل: صاغرين مستسلمين منقادين.

وإنّما خصّ العرش بالطلب؛ لأنه أعجبه صفته، فأحبّ أن يعاتبها به، ويختبر عقلها به إذا رأته، تعرفه أم تنكره، وأحبّ أن يريها قدرة الله في معجزة يأتي بها في عرشها، وأحبّ أن يأخذ عرشها قبل أن تسلم، فلا يحلّ أخذ مالها بعد الإسلام، فذلك قوله تعالى: {(قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)}.

قوله تعالى: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ؛} يعرف بعمرو، والجنّيّ والعفريت في كلّ شيء: المبالغ الحاذق، يقال: رجل عفر وعفريت وعفرية، بمعنى واحد، والجمع عفاريت وعفارى، وقيل: العفريت من الجنّ المارد القويّ الغليظ الشديد. وقيل:

اسم العفريت الدّاهية.

قيل: إنّها سارت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل، تحت كلّ قيل ألوف كثيرة، فخرج سليمان ذات يوم وإذا هو يرى هرجا قريبا منه، فقال: ما هذا؟ قالوا:

بلقيس، قال: قد نزلت منّا بهذا المكان. قال ابن عبّاس: (وهو مكان بين الحيرة والكوفة بعيد فرسخ) فأقبل حينئذ سليمان على جنوده، وقال: {(أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ؟)}.

واختلف أهل العلم في السّبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها، قيل:

أن يحرم عليه أخذه بإسلامها. وقال قتادة: (إنّه أعجبه صفته لمّا وصفه له الهدهد، فأحبّ أن يراه) (١)،وقال ابن زيد: (أراد أن يختبر عقلها بتنكير عرشها ولينظر هل تعرفه إذا رأته أو تنكره) (٢)،وقيل: ليريها قدرة الله وعلم سلطانه.

قوله تعالى: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ؛} أي من مجلس قضائك، وكان سليمان يجلس للقضاء من الغداة إلى انتصاف النّهار، وقال مقاتل:


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٠٥٢٥).وابن أبي حاتم في التفسير: الأثر (١٦٣٥٩).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير: الأثر (١٦٤١٥) عن ابن عباس بمعناه وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>